سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر |
قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم- (( إن الله عزوجل قد وعد هذا البيت أن يحجه في كل سنة ستمائة ألف ، فإن نقصوا أكملهم الله عزوجل من الملائكة ، وإن الكعبة تحشر كالعروس المزفوفة وكل من حجها يتعلق بأستارها يسعون حولها حتى تدخل الجنة فيدخلون معها)) – حديث لم يجد له أصلاً- وفي الخبر : (( إن الحجر الأسود ياقوتة من يواقيت الجنة ، وإنه يبعث يوم القيامة له عينان ولسان ينطق به يشهد لكل من استلمه بحق وصدق)) و(( كان – صلى الله عليه وسلم- يقبله كثيراً)) –أخرجه من حديث عمر دون قوله كثيراً وأنه كان يقبله كل مرة ثلاثاً إن رآه خالياً- وروى (( أنه صلى الله عليه وسلم سجد عليه)) و(( كان يطوف على الراحلة فيضع المحجن عليه ثم يقبل طرف المحجن)) وقبله عمر – رضي الله عنه- ثم قال . إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقبلك ما قبلتك ثم بكى حتى علا نشيجه فالتفت إلى ورائه فرأى علياً – كرم الله وجهه ورضي الله عنه- فقال يا أبا الحسن ها هنا تسكب العبرات وتستجاب الدعوات، فقال علي – رضي الله عنه – يا أمير المؤمنين بل هو يضر وينفع ، قال : وكيف؟قال: إن الله تعالى لما أخذ الميثاق على الذرية كتب عليهم كتاباً ثم ألقمه هذا الحجر فهو يشهد للمؤمن بالوفاء ويشهد على الكافر بالجحود))آقيل فذلك هو معنى قول الناس عند الاستلام: اللهم إيماناً بك وتصديقاً بكتابك ووفاء بعهدك.
وروى عن الحسن البصري – رضي الله عنه- أن صوم يوم فيها بمائة ألف يوم ، وصدقة درهم بمائة ألف درهم ، وكذلك كل حسنة بمائة ألف ، ويقال طواف سبعة أسابيع يعدل عمرة وثلاث عمر تعدل حجة. وفي الخبر الصحيح: (( عمرة في رمضان كحجة معي))وقال –صلى الله عليه وسلم- : (( أنا أول من تنشق عنه الأرض ثم آتي أهل البقيع فيحشرون معي ثم آتي أهل مكة فأحشر بين الحرمين)) وفي الخبر : (( إن آدم – عليه السلام- لما قضى مناسكه لقيته الملائكة فقالوا بر حجك يا آدم لقد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام)) وجاء في الأثر: (( إن الله عزوجل ينظر في كل ليلة إلى أهل المسجد الحرام ، فمن رآه طائفاً غفر له ومن رآه مصلياً غفر له ومن رآه قائماً مستقبل الكعبة غفر له)) وكوشف بعض الأولياء –رضي الله عنهم- قال: إني رأيت الثغور كلها تسجد لعبادان ،ورأيت عبادان ساجدة لجدة. ويقال لا تغرب الشمس من يوم إلا ويطوف بهذا البيت رجل من الأبدال ، ولا يطلع الفجر من ليلة إلا طاف به واحد من الأوتاد ، وإذا انقطع ذلك كان سبب رفعه من الأرض فيصبح الناس وقد رفعت الكعبة لا يرى الناس لها أثراً وهذا إذا أتى عليها سبع سنين لم يحجها أحد ، ثم يرفع القرآن من المصاحف فيصبح الناس فإذا الورق أبيض يلوح ليس فيه حرف، ثم ينسخ القرآن من القلوب فلا يذكر منه كلمة ، ثم يرجع الناس إلى الأشعار والأغاني وأخبار الجاهلية ، ثم يخرج الدجال وينزل عيسى – عليه السلام- فيقتله، والساعة عند ذلك بمنزلة الحامل المقرب التي تتوقع ولادتها . وفي الخبر (( استكثروا من الطواف بهذا البيت قبل أن يرفع فقد هدم مرتين ويرفع في الثالثة)) وروي عن علي – رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال قال الله تعالى: (( إذا أردت أن أخرب الدنيا بدأت ببيتي فخربته ثم أخرب الدنيا على أثره)).
كره الخائفون المحتاطون من العلماء المقام بمكة لمعان ثلاثة:
1- خوف التبرم والأنس بالبيت ، فإن ذلك ربما يؤثر في تسكين حرقة القلب في الإحترام ، وهكذا كان عمر – رضي الله عنه- يضرب الحجاج إذا حجوا ويقول: يا أهل اليمن يمنكم ،ويا أهل الشام شامكم ، ويا أهل العراق عراقكم وذلك هم عمر –ر ضي الله عنه- بمنع الناس من كثرة الطواف وقال خشيت أن يأنس الناس بهذا البيت.
2- تهييج الشوق بالمفارقة لتنبعث داعية العود، فإن الله تعالى جعل البيت مثابة للناس وأمنا أي يثوبون ويعودون إليه مرة بعد أخرى ولا يقضون منه وطراً. وقال بعضهم: تكون في بلد وقلبك مشتاق إلى مكة متعلق بهذا البيت خير لك من أن تكون فيه وأنت متبرم بالمقام وقلبك في بلد آخر وقال بعض السلف : كم من رجل بخراسان وهو أقرب إلى هذا البيت ممن يطوف به.ويقال إن لله تعالى عباداً تطوف بهم الكعبة تقرباً إلى الله عزوجل.
3- الخوف من ركوب الخطايا والذنوب بها ، فإن ذلك مخطر ، وبالحرى أن يورث مقت الله عزوجل لشرف الموضع ، وروي عن وهيب بن الورد المكي قال: كنت ذات ليلة في الحجر أصلي فسمعت كلاماً بين الكعبة والأستار يقول إلى الله أشكو ثم إليك يا جبرائيل ما ألقى من الطائفين حولي من تفكرهم في الحديث ولغوهم ولهوهم ، لئن لم ينتهوا عن ذلك لأنتفضن انتفاضة يرجع كل حجر مني إلى الجبل الذي قطع منه.
وقال ابن مسعود – رضي الله عنه – ما من بلد يؤاخذ فيه العبد بالنية قبل العمل إلا مكة ، وتلا قوله تعالى: ((ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم)) سورة الحج الآية (25) حيث أورد ابن كثير حديثاً لابنعمر أنه أتى عبد الله بن الزبير فقال :يا ابن الزبير إياك والإلحاد في حرم الله فإنيسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :"إنه سيلحد فيه رجل من قريش ،لو توزنذنوبه بذنوب الثقلين لرجحت فانظر لا تكن هو " ومن عظم هذه الآية أي أنه على مجرد الإرادة ويقال إن السيئات تضاعف بها كما تضاعف الحسنات. وكان ابن عباس – رضي الله عنه- يقول الإحتكار بمكة من الإلحاد في الحرم . وقيل الكذب أيضاً وقال ابن عباس : لأن أذنب سبعين ذنباً بركية أحب إلي من أن أذنب ذنباً واحد بمكة. وركية منزل بين مكة والطائف ولخوف ذلك انتهى بعض المقيمين إلى أنه لم يقض حاجته في الحرم بل كان يخرج إلى الحل عند قضاء الحاجة . وبعضهم أقام شهراً، وما وضع جنبه على الأرض . وللمنع من الإقامة كره بعض العلماء أجور دور مكة.
ولا تظنن أن كراهة المقامة يناقض فضل البقعة ، لأن هذه كراهة علتها ضعف الخلق وقصورهم عن القيام بحق الموضع . فمعنى قولنا : إن ترك المقام به أفضل، أي بالإضافة إلى مقام مع التقصير والتبرم ، أما أن يكون أفضل من المقام مع الوفاء بحقه فهيهات . وكيف لا ولما عاد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى مكة استقبل الكعبة وقال((إنك لخير أرض الله عزوجل وأحب بلاد الله تعالى إلي ولولا أني أخرجت منك لما خرجت )) وكيف لا. والنظر إلى البيت عبادة ، والحسنات فيها مضاعفة كما ذكرناه؟ فيا الله بالداعي
المصدر : إحياء علوم الدين ، للإمام العلامة محمد أبي حامد الغزالي ، ص 321