البيان
يعتبر التجبير من العمليات الطبية القديمة عند العرب، وقد اشتهر العديد من الرجال في معالجة الكسور بالتجبير، ومنهم من توارث المهنة ابا عن جد، وجمع كلمة التجبير "جبائر" التي تعني العيدان التي تشد على العظم المكسور لتجبره، والعيدان هي من جريد النخل، تقطع بأحجام مختلفة، ثم توضع على موضع الكسر مع مواد من الاعشاب، تساعد على سرعة التئام العضو المكسور، وقد تفنن بعض الرجال المجبرين( الذين يعالجون الكسور ) في عملية تتبع موضع الكسر وتلمس مكانه، كان ذلك عند الكبار او الصغار، وهو ما اخبرنا عليه محمد صالح محمد الجسمي، الذي يعتبر من أمهر المجبرين في رأس الخيمة، والذي لا يتوانى عن السفر الى مختلف امارات ومناطق الدولة، لمساعدة كبار السن والاطفال الذين يتعرضون لكسور مختلفة ولا يستطيعون الوصول الى مكانه.
مكان غير متوقع
عندما توجهت والمصور محمد حنيف الى مقر اقامته في امارة رأس الخيمة في منطقة جولان، توقعت ان مقره سيكون اشبه بعيادة شعبية، لكن فوجئت بمبنى صغير مكون من ثلاث غرف اكبرها لا تزيد عن متر ونصف المتر طولا وعرضا، بينما كافة المواد التي يعالج بها مرضاه من الكسر وغيره، خزنها في كراتين وعلب من الصفيح، وقال المجبر الجسمي : "هذا المكان الصغير كان مسكني الى عهد قريب مع بعض ابنائي، قبل ان انتقل الى مكان اكبر يتسع لي ولأبنائي الذكور والاناث".
بعد حديث قصير عن الحرفة التي امتهنها وطريقة علاجه وتجبيره، دخل علينا شاب من الجنسية الآسيوية يشكو من ألم بيده اليمنى، وبعد ان انتهى من علاجه بدأنا الحوار لنبحر معه في عالم طب الكسور وتجبيرها، والمواقف التي شهدها طيلة عمله منذ ان كان في الخامسة عشرة من عمره.
وراثة المهنة
بداية يقول محمد الجسمي: نحن اسرة كانت تتكون من 12 فردا من الذكور والاناث، توفوا جميعا عدا شقيقي "علي" ويصغرني بنحو 20 عاما، توفي والدنا قبل حوالي (25) عاما غرقا في البحر، وقيل لنا بأنه توفي في اعماق بحار الخليج، والدي رحمه الله لم يكن مجبراً إلا في مرحلة قصيرة حيث عمله كبحار كان يأخذ معظم وقته، ولكننا تعلمنا الحرفة من عم الوالد محمد اسماعيل الجسمي، الذي كان الوحيد في منطقة آل الجسم يعمل في التجبير وختان الاطفال و(الوسن) العلاج بالكي والحجامة، وكل هذه الاعمال يقوم بها بسبب عدم وجود اطباء في ذاك الوقت، وقبل ان يظهر التعليم في المنطقة، وقد توفي قبل نحو اربعين عاما عن عمر ناهز السبعين، ولكن جدي والد امي، هو الذي علمني منذ ان كان عمري (15) عاما، وكان يحرص على تواجدي اثناء قيامه بعلاج المصابين بمختلف الكسور، وأتذكر ان اول عمل قمت به تجبير كسر لرجل كبير في السن، والحمد الله استطعت تجبير مكان الكسر.
طريقة العلاج
هناك خطوات لا بد من اتخاذها قبل القيام بأي عمل، مثل غسل مكان الكسر بالماء الدافئ، وبعد ذلك يتم وضع الدواء المخلوط من الاعشاب، ويسمى باللهجة المحلية (اندروت) على مكان الكسر، ووضع قطع من الأخشاب الطولية المعتدلة لعمل قوائم الجبيرة، والتي تتناسب مع طول العظم المكسور ونوع الكسر، وهي غالبا ما تقطع من جذوع النخيل والأشجار، وجريد النخيل هو الأكثر استخداما وتوافرا، وبعد تثبيت القوائم الخشبية يلف العضو المصاب بالكسر بالقطن وبقصاصات من القماش القوي، وكان ( المجبرون ) في الماضي وقبل قيام الاتحاد، يستخدمون مسحوق السدر بخلطه مع الملح، لتغليف العضو المكسور به بعد صنع عجينة منهما.
كسور الرضع
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر |
ويقول : الكسور التي يصاب بها الانسان تختلف بين كسور الرجال والنساء والاطفال، حيث كسور كبار السن تتطلب وقتا اطول وكذلك المصابين بمرض السكر حيث تتضاعف مدة علاجهم، وبالنسبة للأطفال الرضع فهم اكثر ما يصابون بكسور الترقوة بسبب ضعف عظامهم وحملهم بطريقة غير سليمة، ويتم علاجهم بغسل المكان بالماء الدافئ وبالعلاج الشعبي (اندروت) ثم يوضع عليه (عظم الهبه) ويلف بالقطن والشاش، ويوضع قطن في ابطه ثم يربط حبل على عنقه لتثبيت المكان، والطفل الرضيع لا يستغرق شفاءه اكثر من يومين او بالكثير بحسب ايام عمره، لكن الطفل الذي يمر على كسره اكثر من خمسة ايام يصبح من الصعب تجبير كسره، كذلك الكسر الذي يصيب الكبار ويمر عليه اكثر من 15 يوما يصبح علاجه صعبا.
أدوية الكسور
يضيف الجسمي: كان المجبرون يستخدمون نشارة الخشب الناعمة بعد خلطها بالصابون النابلسي الكثيف، وإضافة الماء الى الخليط للحصول على عجينة متماسكة كثيفة، ومن ثم تسخينها لتحصل لديهم عجينة صمغية لاصقة توضع بعدها على قطعة قماش بيضاء أو شاش ويلف بها العضو المكسور، كما استخدم نبات الصبار في تجبير الكسور سابقا، إذ يؤخذ منه الجزء الداخلي الصلب ويدق ويخلط بالماء إلى أن يُــكون عجينة متماسكة، وتترك الجبيرة لمدة أسبوعين على الأقل ثم تنزع وتستبدل بجبيرة جديدة أخرى بها، بعد غسلها جيدا لإزالة آثار الجبيرة السابقة ، وقد صنع المجبرون في السابق في حالة كسر اليد رباطا يربط حول عنق المريض تعلق به يده وهو من القماش او الخيوط السميكة ، وتبقى في هذا الوضع الى ان تشفى، أما في حالة كسر ضلوع الصدر أو الظهر مثلا فتصنع ( لزقة ) حيث يتعسر وضع الجبيرة عليها، تستخدم فيها أعشاب خاصة، إضافة الى البيض كعنصر اساسي، كما يدخل في إعدادها الصابون المبشور بعد تسخينه.
أشهر المجبرين
بالرغم من تطور الطب الحديث في الدولة وتطور مستوى الخدمات الصحية، الا انه ما زال بعض الناس يتداوون بالطرق التقليدية في العلاج، ولهذا فإن القائمين على هذا النوع من التداوي ما زالوا يمارسون مهنتهم ويتوارثونها أبا عن جد، ولم يتراجع الإقبال على ممارستها كما هو الحال في مهن تقليدية أخرى، ومن الأسماء التي مارست المعالجة التقليدية (الطب الشعبي) احمد بن سالم بن مزروع ،و السيدة رفيعة بنت ثاني الذي عرف عنها براعتها وجرأتها في العلاج، وكانت تتعامل مع الجروح البالغة كجروح الرقبة والتي تعتبر من الحالات الصعبة، وكذلك صالح المطوع (رحمه الله) وغيرهم كثر الذين توارثوا حرفة التجبير عن آبائهم وأجدادهم.
الحقيقة انه مثال طيب للمواطن المجتهد في خدمة الناس
صراحة أنا عن نفسي متعالجه معاه مره كسرت صبعي وسرت مستشفى ….. وجبسولي ايدي للكتف ما تحملت كل هذا عسب صبع ونصحوني فيه والحمد لله