القواعد العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط تحاصر إيران
في هدوء شديد وافق مجلس النواب الأميركي في شهر مايو الماضي، بأغلبية ساحقة (401-11) لأعضاء الحزبين الجمهوري والديمقراطي معاً، على مشروع قانون رقم (HR568) الذي يسمح بالاستعداد للحرب على إيران، ويمنع الرئيس الأميركي – في الوقت نفسه – معارضة استخدام القوة العسكرية ضد إيران، "والاعتماد على سياسة (الاحتواء) كخيار سياسي ضد التهديد النووي الإيراني" بحسب إيلاف.
وفقًا للسيناتور الديمقراطي "دنيس كوسينيتش" عن ولاية أوهايو، فإن الكونغرس أقر فقرتين مهمتين من القوانين المتعلقة بإيران، الفقرة الأولى: تقويض التوصل إلى حل دبلوماسي مع إيران تمهيدًا لإعلان الحرب. والفقرة الثانية: تجيز الحرب كخيار حاسم ضد إيران ومن ثم توجيه وزارة الدفاع للبدء في الاستعدادات العسكرية.
الفقرة الأولى من مشروع القانون تتضمن بدورها جزئيتين مترابطتين، أولهما: " رفض أي جهود دبلوماسية للولايات المتحدة تسعى الى احتواء الأسلحة النووية الإيرانية. ثانيهما: حث الرئيس الأميركي على التأكيد على عدم قبول امتلاك إيران لأي قدرات نووية، وبالتالي معارضة تخصيب اليورانيوم الإيراني".
الاندفاع والسرعة في تمرير مشروع القانون قبل يوم 23 مايو الماضي حسب المحلل الإيراني الأميركي "جمال عبدي "، أحد أبرز المنتقدين للنظام الايراني وسياسة الولايات المتحدة على حد سواء، له مغزى مهم فهو من جهة: إثبات أن الصقور داخل الكونغرس – أمثال السيناتور " جو ليبرمان " – لهم اليد العليا في اتخاذ القرارات وسن القوانين الآن، فضلاً عن أنه لا جدوى من التفاوض مع رئيس إيراني ضعيف (أحمدي نجاد) لا يملك سلطة اتخاذ أي قرار دون الرجوع إلى المرشد الأعلى علي خامنئي، وبالتالي اضاعة الوقت والجهد بالجلوس معه على طاولة المفاوضات".
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر |
الكولونيل "لورانس ويلكرسون"، رئيس الأركان السابق في عهد وزير الخارجية "كولن باول"، أكد أن مشروع القانون هذا "يجب أن يقرأ بعناية لأنه يذكرنا بالنوتة الموسيقية التي عزفتها جوقة الصقور قبل الحرب على العراق عام 2024، وهو بالفعل مقدمة للحرب على إيران (تبارك وتؤيد) الجهود والاستعدادات العسكرية التي تجري على قدم وساق".
نهاية الاحتواء
"سيفن زونس" أستاذ العلوم السياسية، ورئيس دراسات الشرق الأوسط في جامعة سان فرانسيسكو، حلل الأبعاد المهمة لصدور هذا القانون الآن أولها: نهاية عقود من الزمان اتبعت فيها وزارة الدفاع الأميركية "سياسة الاحتواء" في التعامل مع التهديدات المحتملة خاصة مع أنظمة الصواريخ الباليستية السوفييتية. أما اليوم، فإن سياسة الردع لم تعد كافية للتعامل مع بلد من البلدان النامية القادرة على تطوير الأسلحة النووية.
وهذا الاجماع الواسع للحزبين الديمقراطي والجمهوري يمثل عودة قوية لسياسة "المحافظين الجدد" في الضربة الأولى والحرب الاستباقية التي تأسست عام 1980 واستخدمت في عهد الرئيس "بوش الابن" (2000 – 2024) وهي تقوم على فكرة أساسية هي: أن دور الولايات المتحدة لا يقتصر على منع ظهور قوة عظمى أخرى منافسة لها مثل الصين، وإنما يجب أن تقاوم أيضًا ظهور أي قوة حتى ولو كانت إقليمية، مثل إيران.
ثانيا: إن فكرة الردع مع النظام السياسي "لإيران الملالي" لا تجدي نفعًا في ظل قيادة "مهووسة" دينيًا تسيطر على القرار العسكري بالكامل، بما في ذلك استخدام أسلحة الدمار الشامل، يمكن أن تقرر في لحظة شن هجوم نووي غير مبرر (أو كنوع من الانتقام) ضد إسرائيل ودول الخليج والولايات المتحدة، في المقابل فإن سياسة الاحتواء مع إيران تركت اعتقادًا سلبيًا ولا يجب أن نرسخ الاعتقاد بأن هناك قوة في العالم – ولو كانت نووية – يمكن أن تقف في وجه القوة العسكرية للولايات المتحدة وحلفائها.
ثالثًا: الحد من سلطات الرئيس الأميركي (العسكرية) في مجال السياسة الخارجية، خاصة وأن المجتمع الدولي لديه مصلحة في منع إيران من تطوير أسلحة نووية، وكذلك في إجبار الهند وباكستان وإسرائيل على نزع سلاح ترساناتها النووية الموجودة بالفعل، وينبغي السعي بكل الوسائل الممكنة للحفاظ على منطقة الشرق الأوسط المضطربة، خالية من التهديدات النووية فضلاً عن السباق النووي ولا نستطيع في ظل هذا الوضع المتردي أن نمنع المملكة العربية السعودية أو تركيا أو مصر من امتلاك السلاح النووي مع وجود التهديدات النووية الإيرانية (المباشرة وغير المباشرة).
وبالتالي، فإن هذا القرار لا يتعلق بالأمن القومي للولايات المتحدة، ولا بأمن إسرائيل كما يشاع، وإن كان يقع في إطار هيمنة الولايات المتحدة على أهم منطقة غنية بالنفط في العالم، لأنه يتعلق أساساً بالحفاظ على السلام العالمي باستخدام القوة في موضعها الصحيح