- أحمد عابد – أبوظبي
التاريخ: 30 يونيو 2024
«الاتحادية العليا» أخذت باعترافات المتهم ولم تلتفت إلى تحليل «دي.ان.ايه». الإمارات اليوم
قال رئيس دائرة الأحوال الشخصية والنقض الجزائي الشرعي في المحكمة الاتحادية العليا، المستشار فلاح الهاجري، لـ «الإمارات اليوم» إن المحكمة غير ملزمة بالأخذ بنتائج فحص البصـمة الوراثية (دي إن إيه) في إثبات أو نفي نسب الأطفال في دعاوى الزنى، باعتبار أن تلك النتائج لا تعدو أن تكون قرينة تقوم مقام الدليل، ويمكن دحضها إذا ما خالفت الضوابط الشرعية والعملية المقرر مراعاتها للأخذ بتلك النتائج، مؤكداً أن «المحكمة هي الخبير الأعلى في هذا الأمر، ومن سلطتها التامة فهم الواقع في الدعوى وتقدير أدلتها، ومنها نتائج فحص البصمة الوراثية ومطابقتها للواقع في الدعوى».
دليل على الهوية
تعد البصمة الوراثية (دي إن إيه) من أحدث الأساليب العلمية في الكشف عن الجرائم، وتم اكتشافها في بداية الثمانينات من القرن الماضي، وأُخذ بها في محاكم الدولة في بداية التسعينات.
وهي تعد من أدق الطرق العلمية والفنية التي تدل على هوية كل إنسان كون احتمال تشابه صورة الحمض النووي بين شخصين ضعيفاً، ولطبيعتها في البحث والتحليل في الجينات الوراثية.
ويؤكد المختصون أن نتائج البصمة الوراثية تكاد تكون قطعية في إثبات نسبة الأولاد إلى الوالدين أو نفيهم عنهما، في دعاوى إثبات النسب في القضايا الشرعية.
وتبلغ أعداد مجهولي النسب على مستوى الدولة 593 شخصاً، بينهم 300 مجهولو الوالدين، إضافة إلى 293 شخصاً مجهول الأب، بحسب آخر إحصاءات وزارة الشؤون الاجتماعية.
وشهدت الشهور الماضية العثور على عدد من الأطفال الرضع في إمارات الدولة المختلفة، تركهم ذووهم لأسباب مختلفة، وتتوقع أجهزة الشرطة أن يكون الحمل السفاح أهم أسبابها.
ولا توجد إحصاءات دقيقة لدى المحاكم حول عدد دعاوى الزنى في نسب الأطفال، لكن شرطة أبوظبي تمكنت خلال عام 2024 من الكشف عن 81 قضية إثبات نسب أطفال إلى آبائهم بيولوجياً، عبر فحص الحمض النووي (دي إن إيه)، مقابل 55 قضية خلال .2007
وقال المستشار فلاح الهاجري إن البصمة الوراثية (دي إن إيه) من التقنيات الحديثة التي كشف عنها العلم الحديث، وتتصف بخاصية الدقة والتعقيد. ومع ذلك، فإنه يلزم أخذ الحيطة والحذر عند الاستناد إليها في إثبات أو نفي النسب، ولا يكون ذلك إلا بوضع الشروط العامة من الناحية العملية الطبية والشرعية، نظراً للعلاقة الوثيقة التي تربط بين أهل الشرع وأهل الطب.
وحدد مجموعة من الضوابط والشروط التي تحكم العمل بالبصمة الوراثية في المحاكم، قائلاً إن أهمها ألا تخالف نتائج البصمة الوراثية صدقَ النصوص الشرعية من الكتاب والسنة النبوية، حتى لا يؤدي ذلك إلى إهمال النصوص الشرعية القطعية وجلب المفاسد، ولذلك فلا يجوز استخدامها في التشكيك في صحة الإنسان المستقرة، وزعزعة الثقة بين الأزواج، وألا تخالف تحاليل البصمة الوراثية العقل والمنطق، فلا يمكن أن تثبت البصمة الوراثية نسب من لا يولد لمثله لصغر سنه، أو لغير ذلك من أسباب، وتالياً لا تكون البصمة الوراثية قد اعتراها الخطأ والتلاعب وخالفت العقل والواقع، وهو ما يجب رفضه.
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر |
وأضاف أنه يجب إجراء تحاليل البصمة الوراثية بناء على أوامر من القضاء أو من ولي الأمر، لمنع التلاعب من ضعاف النفوس وأتباع الأهواء، وأن يكون استعمال البصمة الوراثية في الحالات التي يجوز فيها التأكد من إثبات النسب للمحافظة عليها وعدم ضياعها كاختلاط المواليد وأصحاب الجثث المتفحمة. وأكد أهمية منع القطاع الخاص والشركات التجارية ذات المصالح بالجينات، من المتاجرة فيها، وإغلاقها فوراً، وفرض العقوبات على كل من تسول له نفسه التلاعب بالجينات البشرية ما يعرّض الأسرة المسلمة للدمار وتحطيم دعائمها واستقرارها.
وحول الضوابط العملية في استخدام البصمة الوراثية أوضح أنه يجب أن تكون المختبرات والمعامل الفنية التي تجري فيها البصمة الوراثية تابعة للدولة وتحت رقابتها، حتى لا يتم التلاعب فيها، ما يعرّض الأنساب للضياع، وأن تكون مزودة بأحسن الأجهزة ذات التقنيات العالمية والمواصفات الفنية القابلة للاستمرار، وأن يكون الكادر الفني المشرف على إجراء فحوص البصمة الوراثية من الخبراء المؤهلين فنياً والمتسمين بالأمانة والعدل في العمل ومن ذوي الخبرات العالمية، وأن يكونوا مسلمين لأن قولهم معتبراً شرعياً في الإثبات والأخذ بالنتائج التي يتوصلون إليها، والتي تؤدي إلى نفي أو إثبات الأنساب، كما لا يقبل قول الخبير في البصمة الوراثية إذا كان يجر ذلك لنفسه نفعاً أو يدفع عنه ضرراً.
ولفت إلى «أن البصمة الوراثية تعد عنصراً من عناصر الإثبات ويجري عليها ما يجري على أعمال الخبرة أمام المحكمة، إذ يكون لها الاستعانة بنتائج فحص البصمة الوراثية في قضايا النسب في دعاوي الزنى، ولا تكون المحكمة ملزمة بالأخذ بتلك النتائج مطلقاً باعتبار أن تلك النتائج لا تعدو أن تكون قرينة تقوم مقام الدليل ويمكن دحضها إذا ما خالفت الضوابط الشرعية والعملية المقرر مراعاتها للأخذ تلك النتائج، في إثبات أو نفي نسب الطفل إلى من يدعي أنه والده»، مشدداً على أن المحكمة هي الخبير الأعلى في هذا الأمر، إذ إن من سلطتها فهم الواقع في الدعوى وتقدير أدلتها، ومنها نتائج فحص البصمة الوراثية ومطابقتها الواقع في الدعوى، والمقرر من حيث الضوابط الشرعية والعملية، المتعين مراعاتها عند تقدير تلك النتائج، وبالتالي الترجيح بينها والأخذ بما تراه موافقاً وراجحاً منها، إذ إن المحكمة لا تقضي إلا على أساس ما تطمئن إليه حيث لا رقيب عليها في ذلك.
وأشار إلى أن الشريعة الإسلامية تتطلع إلى إثبات نسب الأطفال لآبائهم تجنباً لإيجاد أسر مفككة، ومجتمعات ينشأ بين جوانحها أنماط من الأفراد عديمي الهوية يمكن أن يكونوا معاول هدم لتلك المجتمعات في مستقبلها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، لذا فإنه عند نظر المحكمة لقضايا النسب فإنها تجعل التحري وأخذ الحيطة وإجراء البحوث والدراسات المتعمقة قبل قول كلمتها، جاعلة نبراسها في ذلك القاعدة الذهبية المأخوذة من قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (الولد للفراش وللعاهر الحجر) باعتبار تلك القاعدة دليلاً قاطعاً على أن إثبات النسب لا يمكن الحيد عنه ما لم يثبت عكسه من واقع النزاع المطروح على المحكمة، ما يجعلها بعد ذلك تعرج على الأخذ بنتائج البصمة الوراثية باعتبارها عنصراً من عناصر الإثبات يمكن الأخذ بها أو تركها.
وشهدت أروقة المحاكم خلال السنوات الماضية عدداً من قضايا إثبات النسب، أخذت في بعضها هيئة المحكمة بنتائج فحص البصمة الوراثية وفي البعض الآخر لم تأخذ بها. وقد رفضت المحكمة الاتحادية العليا في قضية شهدتها أخيراً طعناً من متهم ضد حكم قضى بإدانته في جريمة زنى، ونسبت مولودة إليه، وأكدت حقها في الأخذ باعتراف المتهم في أي دور من أدوار التحقيق، متى اطمأنت لصحته ومطابقته الحقيقة والواقع، وإن عاد عنه، وكان المتهم قدم الطعن مستنداً إلى نتيجة المختبر الجنائي، الذي أكد أنه ليس الأب البيولوجي للطفلة. وفي قضية أخرى، أقرت المحكمة نفسها بثبوت نسب طفل مواطن لأبيه، بعدما أقامت الأم دعوى ضد مطلقها طلبت الحكم فيها بثبوت نسب ابنها إليه وأنكر نسبه واتهمها بالزنى، وقد أقرت لها بنفقتها ونفقة الطفل الذي أنجبته على فراش الزوجية، ومؤخر صداقها واستخراج شهادة ميلاد باسم أبيه.