رأس الخيمة – عدنان عكاشة:
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر |
الكعبي ولد في الأول من يونيو من عام 1903 من القرن الماضي، حسب المستندات الرسمية، أي أنه بلغ من العمر 108 أعوام تقريباً، ما يجعله أحد أكبر المعمرين في الدولة، عاصر خلالها حقباً زمنية ومراحل مختلفة في الدولة والمنطقة والعالم، وكان شاهد عيان على الكثير من الأحداث التاريخية والتحولات الحاسمة في الإمارات .
“الخليج” زارت أمس خيمة العزاء في المنطقة، التي تبعد 100 كيلومتر جنوب مدينة رأس الخيمة، وقدمت واجب العزاء لأبنائه وأقاربه، وزارت منزله القديم، حيث التقى بصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، والآخر الجديد المجاور له، الذي شيد بأمر من سموه خلال الزيارة، بعد أن عاين سموه بنفسه حالة الفقيد وأوضاع أسرته وأحفاده .
“الشيبة” له 8 أبناء، 7 ذكور وبنت واحدة، مقابل 40 حفيداً، توفي من أبنائه في حياته 4 وبقي ،4 ورغم أنه كان مواطناً عادياً لا يكاد يعرفه أحد خارج منطقته، قبل أن يزوره صاحب السمو نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي بصورة مفاجئة، ليتحول إلى شخصية شهيرة، فيما تناقلت وسائل الإعلام صورته إلى جانب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم على حصير متواضع في باحة منزله الشعبي المتهالك حينها، الذي قضى تحت سقفه المتداعي جل سنوات عمره المديد .
جمعة محمد، نجل الفقيد، قال: “إن والده فقد 3 من أبنائه في حوادث الطرق، إلى جانب ابنه البكر الذي توفي نتيجة مرض، ما خلّف ألماً عميقاً في قلبه لسنوات طويلة، لكنه رضي بالقدر وسلم أمره إلى الله سبحانه، وكان مؤمناً بصورة لافتة، وجعلته تلك التجربة المؤلمة دائم الحرص على نصحنا وإرشادنا بعدم السرعة والتمهل في القيادة، خشية أن يفقد المزيد من أبنائه وأحبائه، وكان يرددها كلما جئنا لنودعه إلى منازلنا أو وظائفنا في إمارات الدولة الأخرى، في حين كان يشجعنا على خدمة البلد، ويردد على مسامعنا أن الوطن هو الأهم، حافظوا عليه ويحب العمل والإنتاج، ويمقت الكسل والخمول، وينفر أبناءه وأحفاده منهما . وعلمنا الصدق والمحافظة على الصلاة” .
سالم محمد، ابن الفقيد، أشار في حديث لـ”الخليج” خلال العزاء، إلى أن “والده تولى تربية أحفاده من أبنائه الثلاثة الذين قضوا في حوادث الطرق، وبلغ عددهم 7 أحفاد، وكان لهم أباً حنوناً وأنفق عليهم، وضمهم إليه في بيته، وعوضهم حرمان الأب في سن مبكرة ومسح عن قلوبهم الصغيرة قسوة اليتم، رغم أنه كان هو نفسه عاجزاً ومعاقاً”، لافتاً إلى أن “الشيبة علمه في صغره قيادة السيارة، رغم أنه كان يعاني من عرج حاد حينها، لكن ذلك لم يمنعه من القيادة وتعليمها لي، قبل أن أحصل على الرخصة بصورة نظامية” .
من رفقاء درب (شيبة وادي القور)، نسيبه المسّن سالم محمد، الذي نوه بأن “الفقيد ولد وعاش عمره بأكمله وهو يعاني إعاقة جسدية، رافقته أكثر من قرن كامل، استطاع بعزيمة أن يروضها ويقهرها، ويعيش حياته بصورة طبيعية، ويسهم في تربية أبنائه وأحفاده معاً، وخدمة كل من ينشد المساعدة لديه، ليشكل مثالاً لابن الإمارات وأرضها الطيبة، ولوقار كبارها وحكمتهم وحبهم لهذه الأرض” .
وحسب رواية رفيقه “لم تثنه الإعاقة التي ولد بها عن العمل والكد، مستخدماً عكازاً تصحبه أينما ذهب، فيما أصر على العمل وأن يبقى منتجاً، لا عالة على أحد، واضعاً إعاقته خلف ظهره، من خلال العمل مزارعاً في مزرعته الخاصة، رغم المشقة التي تتطلبها الزراعة، وكان يزرع النخيل والذرة والخضار، ويحصل عبرها قوته ورزق عياله، قبل أن يعجز في سنوات عمره الأخيرة عن السير نهائياً، بسبب التقدم في العمر والكبر، بجانب عمله في بيع السخام “الفحم” قبل تأسيس دولة الاتحاد، وكل ذلك من دون أن يطلب معاونة أحد أو مساعدة خادم”.
من صور الدهشة في سيرة محمد سالم خميس الكعبي، كما تحدث أبناء وادي القور، أنه “ظل متعلقاً بالبلدة النائية، ومتمسكاً بالعيش فيها، لا يغادرها إلا لحاجة أو وصل رحم، ولم يسافر طيلة عمره المديد إلى خارج الإمارات، سوى مرة واحدة قبل عام واحد على وفاته، تحت إلحاح أبنائه، إذ اصطحبه أحدهم إلى الهند لعلاجه، لكنه لم يلبث أن أصر على العودة إلى الوطن بعد ساعات قليلة من وصوله البلد الآسيوي، معتبراً أن ولد هكذا ورضي بقدره، ليرجع بالفعل إلى الإمارات سريعاً” .
من خصال “شيبة وادي القور” أنه عاش عزيز النفس، يرضى بالقليل وبنصيبه من الحياة، دائم الاستغفار والذكر لله، يحب الحياة على الفطرة، كما يوضح أبناؤه وأهل قريته، وعزة نفسه صفة اشتهر بها على مستوى الدولة، بعد زيارة صاحب السمو نائب رئيس الدولة، الذي سأله عن احتياجاته، ليفاجىء الشيبة سموه ومرافقيه بأنه “مو قاصره شيء”، وفق تعبيره، رغم الوضع المعيشي الصعب الذي عاينه سموه والوفد المرافق، فضلاً عن مسكنه القديم” .
الحضور في خيمة العزاء، ومعظمهم من أبنائه وأحفاده وأقاربه وأبناء وادي القور، سردوا خصالاً لافتة للفقيد، جعلته أهلا للشهرة التي اكتسبها في أقصى العمر، منها طيبة القلب والنفس، والتسامح الشديد مع الجميع، فيما كان لا يشتكي أحد مهما بدر منه، ولا هو يشتكي من أحد . وتمتع محمد الكعبي بصحة جيدة طيلة عمره .
محمد الكعبي كان أيضاً وفياً بصورة لافتة، لا سيما لزوجته ورفيقة عمره، التي سبقته إلى الدار الآخرة قبل عام ونصف العام، إذ لم يتزوج من أخرى إطلاقاً، وبقي يذكرها بالخير بعد رحيلها، إلى أن لحقها، وهو كالكثير من رجالات الرعيل الأول من أبناء الإمارات، كان حريصاً كل الحرص على تعليم أبنائه وأحفاده، رغم أن معطيات عصرهم وظروف حياتهم لم تسعفهم هم أنفسهم لمحو أميتهم، وكان “شيبة وادي القور” شاعراً شعبياً، يحفل شعره، كما يقول محبوه، بالحكمة وحب الحياة، ويتعلق بالشعر القديم، لا سيما لابن ظاهر وأبوزيد الهلالي . ورغم أنه كان لا يقرأ ولا يكتب، إلا أنه كان محباً للعلم، ومتابعاً شغوفاً لأخبار الدولة والعالم، يعرف تفاصيل ما يدور في العالم من قضايا سياسية واجتماعية، ولا ينام حتى يحضر نشرة أخبار العاشرة حاملاً معه جهاز “الراديو” الخاص به .
قسوة الفراق وألم الغياب، تجلت في كلمات أحفاد الكعبي الذين عاشوا في كنفه، خالد عبدالله مهندس طيران وخريج إحدى جامعات بريطانيا قال “كانت فيه كل مواصفات الأب لنا من أحفاده الأيتام، وهو من درسني وشجعني على العلم، رغم أنه كان أمياً” وتابع خميس (13 عاماً) لم أشعر يوماً بأنني يتيم في منزل جدي” . خليفة عبدالله (32 عاماً) قال “جدي تولى تربيتي منذ كان عمري 7 سنوات بعد وفاة والدي، وكان والداً حقيقياً، ومازلت أعيش صدمة رحيله” .
من أسباب حزن “وادي القور” على رحيل شيبتها أنه كان مقصداً لأبناء المنطقة من ذوي الأطفال المرضى وسواهم، ممن يرغبون في قراءة القرآن الكريم عليهم، لما عرف عنه من إيمان وحسن سيرة وخلق، فيما ظلت حكمته الرئيسية في حياته التي تشبث بها (الصبر)، الأمر الذي ترجمه بصبره على الشدائد والأحزان التي فجعته بأربعة من أبنائه، ورغم ذلك صبر واحتسب، كما حكمت عليه بالإعاقة طيلة عمره .
علي بن سعيد الدهماني، مسؤول منطقة المنيعي وتوابعها، من بينها وادي القور، أكد أن “الكعبي اتسم بالتسامح وعزة النفس، ويذكر أنه تنازل عن حقه في خلاف وقع بينه وبين شخص آخر، ورغم أن الحق كان في جانبه، إلا أنه تنازل طواعية وبرضا نفس” .
“شيبة وادي القور”، هو لقب أطلقته “الخليج” على الراحل، في حوار أجرته معه في منزله المتواضع، بعد يوم واحد على زيارة صاحب السمو نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي له عام ،2008 التي أكسبته شهرة شعبية، وأكد حينها أن “زيارة محمد بن راشد كانت لحظة من أجمل لحظات العمر” .
وعن تعلق “شيبة وادي القور” بالعلم، تحدث أحمد الدغيم، إمام وخطيب مسجد وادي القور (سوري) عن أنه “قرأ للشيبة العديد من الكتب من التراث الإسلامي العربي بالكامل، رغم أنها تتكون من مجلدات ومئات الصفحات، من دون أن يكل أو يمل، بينها “البداية والنهاية” لابن كثير، وكتب أخرى، كالسيرة النبوية، وقصص الأنبياء، وحياة الصحابة”، ويلفت إلى أن “الفقيد الذي جالسه لمدة 17 عاماً، كان يتسم بحب شديد للعلم، وصاحب ذاكرة حادة، لدرجة أنه كان يطلب إعادة قراءة صفحة محددة برقمها بعد أيام، إذا نسي معلومة أو اسم شخصية” .
كان “الشيبة” فوجئ بزيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم إلى مسكنه الشعبي القديم في وادي القور، حيث تبادل مع سموه الحديث على حصير متواضع في المسكن الشعبي . ودفن “الشيبة” في قريته النائية بعد صلاة العشاء أمس .
….
جريدة الخليج
{}
الله يرحمه ويغفر له،،
شاكرة نقلك للتقرير،،
دمت بخير،
الخليج
تلف قرية وادي القور الصغيرة، في أقصى جنوب إمارة رأس الخيمة، حالة من الحزن مقرونة بالاعتزاز والفخر، إثر رحيل “شيبتها”، محمد سالم خميس الكعبي، الذي عرف بـ”شيبة وادي القور”، واشتهر بعد زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، إلى مسكنه الشعبي المتواضع في البلدة في يناير ،2008 خلال جولة تفقدية لسموه في عدد من المناطق النائية، للاطلاع عن قرب على أوضاع المواطنين واحتياجاتهم .
الكعبي ولد في الأول من يونيو من عام 1903 من القرن الماضي، حسب المستندات الرسمية، أي أنه بلغ من العمر 108 أعوام تقريباً، ما يجعله أحد أكبر المعمرين في الدولة، عاصر خلالها حقباً زمنية ومراحل مختلفة في الدولة والمنطقة والعالم، وكان شاهد عيان على الكثير من الأحداث التاريخية والتحولات الحاسمة في الإمارات .
“الخليج” زارت أمس خيمة العزاء في المنطقة، التي تبعد 100 كيلومتر جنوب مدينة رأس الخيمة، وقدمت واجب العزاء لأبنائه وأقاربه، وزارت منزله القديم، حيث التقى بصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، والآخر الجديد المجاور له، الذي شيد بأمر من سموه خلال الزيارة، بعد أن عاين سموه بنفسه حالة الفقيد وأوضاع أسرته وأحفاده .
“الشيبة” له 8 أبناء، 7 ذكور وبنت واحدة، مقابل 40 حفيداً، توفي من أبنائه في حياته 4 وبقي ،4 ورغم أنه كان مواطناً عادياً لا يكاد يعرفه أحد خارج منطقته، قبل أن يزوره صاحب السمو نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي بصورة مفاجئة، ليتحول إلى شخصية شهيرة، فيما تناقلت وسائل الإعلام صورته إلى جانب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم على حصير متواضع في باحة منزله الشعبي المتهالك حينها، الذي قضى تحت سقفه المتداعي جل سنوات عمره المديد .
جمعة محمد، نجل الفقيد، قال: “إن والده فقد 3 من أبنائه في حوادث الطرق، إلى جانب ابنه البكر الذي توفي نتيجة مرض، ما خلّف ألماً عميقاً في قلبه لسنوات طويلة، لكنه رضي بالقدر وسلم أمره إلى الله سبحانه، وكان مؤمناً بصورة لافتة، وجعلته تلك التجربة المؤلمة دائم الحرص على نصحنا وإرشادنا بعدم السرعة والتمهل في القيادة، خشية أن يفقد المزيد من أبنائه وأحبائه، وكان يرددها كلما جئنا لنودعه إلى منازلنا أو وظائفنا في إمارات الدولة الأخرى، في حين كان يشجعنا على خدمة البلد، ويردد على مسامعنا أن الوطن هو الأهم، حافظوا عليه ويحب العمل والإنتاج، ويمقت الكسل والخمول، وينفر أبناءه وأحفاده منهما . وعلمنا الصدق والمحافظة على الصلاة” .
سالم محمد، ابن الفقيد، أشار في حديث لـ”الخليج” خلال العزاء، إلى أن “والده تولى تربية أحفاده من أبنائه الثلاثة الذين قضوا في حوادث الطرق، وبلغ عددهم 7 أحفاد، وكان لهم أباً حنوناً وأنفق عليهم، وضمهم إليه في بيته، وعوضهم حرمان الأب في سن مبكرة ومسح عن قلوبهم الصغيرة قسوة اليتم، رغم أنه كان هو نفسه عاجزاً ومعاقاً”، لافتاً إلى أن “الشيبة علمه في صغره قيادة السيارة، رغم أنه كان يعاني من عرج حاد حينها، لكن ذلك لم يمنعه من القيادة وتعليمها لي، قبل أن أحصل على الرخصة بصورة نظامية” .
من رفقاء درب (شيبة وادي القور)، نسيبه المسّن سالم محمد، الذي نوه بأن “الفقيد ولد وعاش عمره بأكمله وهو يعاني إعاقة جسدية، رافقته أكثر من قرن كامل، استطاع بعزيمة أن يروضها ويقهرها، ويعيش حياته بصورة طبيعية، ويسهم في تربية أبنائه وأحفاده معاً، وخدمة كل من ينشد المساعدة لديه، ليشكل مثالاً لابن الإمارات وأرضها الطيبة، ولوقار كبارها وحكمتهم وحبهم لهذه الأرض” .
وحسب رواية رفيقه “لم تثنه الإعاقة التي ولد بها عن العمل والكد، مستخدماً عكازاً تصحبه أينما ذهب، فيما أصر على العمل وأن يبقى منتجاً، لا عالة على أحد، واضعاً إعاقته خلف ظهره، من خلال العمل مزارعاً في مزرعته الخاصة، رغم المشقة التي تتطلبها الزراعة، وكان يزرع النخيل والذرة والخضار، ويحصل عبرها قوته ورزق عياله، قبل أن يعجز في سنوات عمره الأخيرة عن السير نهائياً، بسبب التقدم في العمر والكبر، بجانب عمله في بيع السخام “الفحم” قبل تأسيس دولة الاتحاد، وكل ذلك من دون أن يطلب معاونة أحد أو مساعدة خادم”.
من صور الدهشة في سيرة محمد سالم خميس الكعبي، كما تحدث أبناء وادي القور، أنه “ظل متعلقاً بالبلدة النائية، ومتمسكاً بالعيش فيها، لا يغادرها إلا لحاجة أو وصل رحم، ولم يسافر طيلة عمره المديد إلى خارج الإمارات، سوى مرة واحدة قبل عام واحد على وفاته، تحت إلحاح أبنائه، إذ اصطحبه أحدهم إلى الهند لعلاجه، لكنه لم يلبث أن أصر على العودة إلى الوطن بعد ساعات قليلة من وصوله البلد الآسيوي، معتبراً أن ولد هكذا ورضي بقدره، ليرجع بالفعل إلى الإمارات سريعاً” .
من خصال “شيبة وادي القور” أنه عاش عزيز النفس، يرضى بالقليل وبنصيبه من الحياة، دائم الاستغفار والذكر لله، يحب الحياة على الفطرة، كما يوضح أبناؤه وأهل قريته، وعزة نفسه صفة اشتهر بها على مستوى الدولة، بعد زيارة صاحب السمو نائب رئيس الدولة، الذي سأله عن احتياجاته، ليفاجىء الشيبة سموه ومرافقيه بأنه “مو قاصره شيء”، وفق تعبيره، رغم الوضع المعيشي الصعب الذي عاينه سموه والوفد المرافق، فضلاً عن مسكنه القديم” .
الحضور في خيمة العزاء، ومعظمهم من أبنائه وأحفاده وأقاربه وأبناء وادي القور، سردوا خصالاً لافتة للفقيد، جعلته أهلا للشهرة التي اكتسبها في أقصى العمر، منها طيبة القلب والنفس، والتسامح الشديد مع الجميع، فيما كان لا يشتكي أحد مهما بدر منه، ولا هو يشتكي من أحد . وتمتع محمد الكعبي بصحة جيدة طيلة عمره .
محمد الكعبي كان أيضاً وفياً بصورة لافتة، لا سيما لزوجته ورفيقة عمره، التي سبقته إلى الدار الآخرة قبل عام ونصف العام، إذ لم يتزوج من أخرى إطلاقاً، وبقي يذكرها بالخير بعد رحيلها، إلى أن لحقها، وهو كالكثير من رجالات الرعيل الأول من أبناء الإمارات، كان حريصاً كل الحرص على تعليم أبنائه وأحفاده، رغم أن معطيات عصرهم وظروف حياتهم لم تسعفهم هم أنفسهم لمحو أميتهم، وكان “شيبة وادي القور” شاعراً شعبياً، يحفل شعره، كما يقول محبوه، بالحكمة وحب الحياة، ويتعلق بالشعر القديم، لا سيما لابن ظاهر وأبوزيد الهلالي . ورغم أنه كان لا يقرأ ولا يكتب، إلا أنه كان محباً للعلم، ومتابعاً شغوفاً لأخبار الدولة والعالم، يعرف تفاصيل ما يدور في العالم من قضايا سياسية واجتماعية، ولا ينام حتى يحضر نشرة أخبار العاشرة حاملاً معه جهاز “الراديو” الخاص به .
قسوة الفراق وألم الغياب، تجلت في كلمات أحفاد الكعبي الذين عاشوا في كنفه، خالد عبدالله مهندس طيران وخريج إحدى جامعات بريطانيا قال “كانت فيه كل مواصفات الأب لنا من أحفاده الأيتام، وهو من درسني وشجعني على العلم، رغم أنه كان أمياً” وتابع خميس (13 عاماً) لم أشعر يوماً بأنني يتيم في منزل جدي” . خليفة عبدالله (32 عاماً) قال “جدي تولى تربيتي منذ كان عمري 7 سنوات بعد وفاة والدي، وكان والداً حقيقياً، ومازلت أعيش صدمة رحيله” .
من أسباب حزن “وادي القور” على رحيل شيبتها أنه كان مقصداً لأبناء المنطقة من ذوي الأطفال المرضى وسواهم، ممن يرغبون في قراءة القرآن الكريم عليهم، لما عرف عنه من إيمان وحسن سيرة وخلق، فيما ظلت حكمته الرئيسية في حياته التي تشبث بها (الصبر)، الأمر الذي ترجمه بصبره على الشدائد والأحزان التي فجعته بأربعة من أبنائه، ورغم ذلك صبر واحتسب، كما حكمت عليه بالإعاقة طيلة عمره .
علي بن سعيد الدهماني، مسؤول منطقة المنيعي وتوابعها، من بينها وادي القور، أكد أن “الكعبي اتسم بالتسامح وعزة النفس، ويذكر أنه تنازل عن حقه في خلاف وقع بينه وبين شخص آخر، ورغم أن الحق كان في جانبه، إلا أنه تنازل طواعية وبرضا نفس” .
“شيبة وادي القور”، هو لقب أطلقته “الخليج” على الراحل، في حوار أجرته معه في منزله المتواضع، بعد يوم واحد على زيارة صاحب السمو نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي له عام ،2008 التي أكسبته شهرة شعبية، وأكد حينها أن “زيارة محمد بن راشد كانت لحظة من أجمل لحظات العمر” .
وعن تعلق “شيبة وادي القور” بالعلم، تحدث أحمد الدغيم، إمام وخطيب مسجد وادي القور (سوري) عن أنه “قرأ للشيبة العديد من الكتب من التراث الإسلامي العربي بالكامل، رغم أنها تتكون من مجلدات ومئات الصفحات، من دون أن يكل أو يمل، بينها “البداية والنهاية” لابن كثير، وكتب أخرى، كالسيرة النبوية، وقصص الأنبياء، وحياة الصحابة”، ويلفت إلى أن “الفقيد الذي جالسه لمدة 17 عاماً، كان يتسم بحب شديد للعلم، وصاحب ذاكرة حادة، لدرجة أنه كان يطلب إعادة قراءة صفحة محددة برقمها بعد أيام، إذا نسي معلومة أو اسم شخصية” .
كان “الشيبة” فوجئ بزيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم إلى مسكنه الشعبي القديم في وادي القور، حيث تبادل مع سموه الحديث على حصير متواضع في المسكن الشعبي . ودفن “الشيبة” في قريته النائية بعد صلاة العشاء أمس .