سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر |
الرمس ابنة البحر وسليلة الجبال
وسيرة حافلة في مقاومة الغزاة
الخليج / عدنان عكاشة:
تختصر طبيعة الرمس وسحرها الأخاذ المسافة النسبية بين الحلم والواقع حيث تبدو المدينة الصغيرة القريبة من مدينة رأس الخيمة، (15 كيلومترا تقريبا إلى الشمال)، حاضنة لمختلف أشكال التضاريس الطبيعية والبيئات المختلفة من الجبال الصخرية الشاهقة إلى الساحل الرملي المنساب قبالة الخليج العربي إلى أشباه جزر صغيرة ووديان وسهول ونخيل أخضر شامخ فيما تطوقها الطبيعة بالجمال والسحر من كل صوب.
مدينة الرمس التي تبلغ مساحتها الإجمالية حاليا 8 كيلومترات مربعة تقريبا تفخر بتاريخها الحافل وأبرز إضاءاته مقاومة الغزاة والمحتلين الطامعين. كما تفخر المنطقة بأنها خرَّجت نخبة ومجموعة كبيرة من الشخصيات ورجالات الوطن على امتداد مراحل تاريخية وأجيال متعاقبة خدمت الوطن ورفدت مؤسسات الدولة في شتى الإمارات بخبرات وكفاءات نوعية تركت بصماتها الواضحة في سيرة هذا الوطن.
يحتل البحر ممثلا بالخليج العربي بأمواجه الزرقاء وتقلباته مكانة خاصة بين القلب وشغافه لدى أهالي الرمس حيث شكل على مدى حقب متعاقبة مصدر الرزق ولقمة العيش وملاذ الباحثين عن وسيلة للتنفيس عن همومهم وكربهم أو المتطلعين للتسلية وتسامر الأصدقاء، وهو كذلك شاهد تاريخي على أحداث المدينة وتحولاتها التاريخية مع المدينة الأم “رأس الخيمة” أو جلفار القديمة وهو الاسم القديم للإمارة ما جعل هذا المارد الأزرق اللامتناهي جزءا يتداخل مع تاريخ الرمس وسيرتها الذاتية وحياتها اليومية بتفاصيلها.
التشكيل الطبيعي الجغرافي والجيولوجي ل “الرمس” مع التمعن في سيرتها التاريخية وقراءة واقعها الاجتماعي وثقافة أبنائها الشعبية تقودنا إلى إطلاق مسمى “ابنة البحر” و”سليلة الجبال” حيث ارتبطت بالبحر والجبل اللذين يطوقانها برفق وحميمية.
“جغرافية المكان”
تقع مدينة الرمس شمال رأس الخيمة، وهي مدينة ذات سجل حافل وسيرة مضيئة في التاريخ المحلي، فضلا عما لعبته في تاريخ المنطقة من مقاومة للاحتلال البرتغالي والبريطاني كامتداد لحركات المقاومة حتى باتت حينها أحد معاقل المقاومة إلى جنب جارتها مدينة جلفار التاريخية القريبة منها والأخيرة من ضواحي مدينة رأس الخيمة حاليا.
تتميز الرمس بطابع جغرافي متميز وتطل على سواحل الخليج العربي فتقع المنطقة على خط العرض 25،52 درجة شمالاً وخط الطول 56،01 درجة شرقاً وتتميز بطبيعة قل نظيرها حيث تحتضن مختلف التضاريس الجغرافية بدءا من الجبال الشاهقة شرق المدينة الصغيرة باتجاه الشمال وتنحدر منها سهول جبلية تحتضن أشجار السمر والغاف المحلية المعروفة جنبا إلى جنب مع مزارع النخيل وسهول رملية متناثرة في وسطها إضافة إلى تضاريس صحراوية في جنوبها كما تضم المنطقة الساحرة بطبيعتها شريطا ساحليا كبيرا مترامي الأطراف على الخليج العربي يتداخل مع خور الرمس وعدد من الأخوار الصغيرة التي ترسم معاً مشهداً طبيعياً يعكس قدرة الخالق – سبحانه – وتضفي أشجار القرم الخضراء المتناثرة سحرا آخر لا يقاوم.
سبب “التسمية”
تفسير أصل ومدلول كلمة (الرمس) يحتمل قولين وفقا لما يشير إليه عدد من المؤرخين وأبناء المنطقة المخضرمين الأول يفيد بأن الرمس مستمدة من كلمة رَمْس أي ما يستتر من القبر وأَصلُ الرَّمْسِ الستر والتغطية ويقال لما يُحْثَى من التراب على القبر رَمْسٌ والقبر نفسُه “رَمْسٌ”.
ويرى أبناء الرمس أن تلك التسمية جاءت في ضوء ما تضم المنطقة من عدد كبير من المقابر في رحابها وهو ما يرتبط بكثرة المعارك والحروب التي شهدتها خلال الاستعمار البرتغالي وما أعقبه من الاستعمار البريطاني وما تمخض عنه من إراقة الدماء لعشرات الشهداء من أبناء الرمس الباسلة. وشهدت المنطقة سنوات عصيبة ومراحل اتشحت خلالها بالحزن والسواد حيث شحت فيها الأرض والطبيعة ما جعل الجوع يتسبب في موت عدد لا يستهان به من الأهالي فضلا عن انتشار الأمراض التي فتكت بالمنطقة وتسببت بموت الكثير منهم من أخطرها في تلك المرحلة انتشار مرض الطاعون إلى جانب الجدري الذي أهلك المئات بل وأفنى عائلات بأكملها من أبناء المنطقة وهو ما أفضى إلى إنشاء مقبرة كاملة حملت اسم المرض هي (مقبرة الجدري) دفن فيها ضحايا انتشار المرض في المنطقة وهو ما أدى في المحصلة إلى كثرة وانتشار المقابر ليلتصق الاسم بالمكان ويصبح جزءا لا يتجزأ من سيرة المكان وتاريخ المنطقة وذاكرة الناس فيها، وتحتضن الرمس وفقا لما تم اكتشافه حتى الآن 8 مقابر معروفة بين الأهالي منها ما تم تسويرها وأخرى قديمة اندثرت ملامحها ولكنها معروفة حتى الآن.
أما التفسير الثاني لتسمية المنطقة ب “الرَّمْسُ” فترتبط بمفهوم التسامر أو المسامرة بين الأصدقاء والأهل في اللغة العربية حيث تعني في ضوئه الصوت الخَفِيُّ أو (المرامس) في اللهجة المحلية المحكية بمعنى المجالس في حين تؤكد روايات الأهالي أن سكان الرمس القديمة كانوا يقيمون في جزيرة الحليلة المقابلة للرمس ويلتقي صيادو المنطقة ليلاً أو عند الفجر قبيل خروجهم للصيد في موقع الرمس (مرمس )ئ لتجاذب أطراف الحديث قبل توغلهم في البحر إلى أن أنشأوا مجلسا صغيرا لهم ليحمل الموقع مسمى “الرمس” ويميل عدد من كبار السن من أهالي المنطقة إلى التفسير الثاني للاسم.
ويكاد يكون أول ما يطالع الزائر للرمس تلك الصخرة الضخمة التي يصطك بها وجه ووعي القادم إلى المنطقة فيما يعلوها في رأسها علم الدولة بألوانه الزاهية وتم نصبه في فترة لاحقة من عمر الدولة من قبل الأهالي لاسيما الشباب منهم وللصخرة المدهشة تسمية أخرى هي “صخرة الدم” وهي الأكثر شيوعا بين أبناء المنطقة.
وهي ليست مجرد صخرة تدحرجت من أقصى الجبال الشاهقة التي تظللها وتقع في أسفلها مباشرة، كما قد يتصور الزائر، أو هي نتيجة هزة تعرضت لها المنطقة فدحرجتها الطبيعة إلى الأسفل، إطلاقا، بل ترتبط الصخرة بتاريخ الرمس خاصة والإمارة عامة حيث شهدت مواجهات دموية عنيفة بين المستعمرين وأهالي الرمس من الأجداد ممن واجهوا الغزاة ببسالة وتضحية حتى سالت دماؤهم عليها لتحمل هذا الاسم “صخرة الدم”.
وكان الغوص على اللؤلؤ إحدى المهن الأولى التي اشتغل فيها واحترفها أهل الرمس وشريحة منهم تحديدا من أهل البحر وهي من أبرز المهن التي شكلت مصدر العيش في المنطقة وسواها من إمارات الدولة وشقيقاتها الخليجية حيث يتم الإعداد للغوص قبل بدء الموسم بحوالي شهر.
“خصوصية الرمس”
ولا يتوقف نبع الذاكرة عن الفيض والسخاء بأجمل محطات العمر حيث يتوقف صالح حنبلوه، النوخذة المخضرم من أبناء المدينة والذي صاحب البحر سنوات طويلة حتى اليوم، عند العلاقات الوثيقة التي ربطت أهالي المنطقة لاسيما خلال الحقب السابقة معتبرا أن للبحر مكانة خاصة رغم أنه لم يعد مصدر الرزق شبه الوحيد والرئيسي كما كان سابقا فلا غنى لأبناء الرمس كبيرهم وصغيرهم عن ارتياده وتنسم هوائه العليل. وخصوصية الرمس، في عين ابنها البار الشاعر عبد الله السبب، تكمن في العلاقات الاجتماعية الحميمة التي تربط أهالي المدينة من الشرائح الاجتماعية والمراحل العمرية كافة وعلى مر الأجيال إلى جانب خصوصية العلاقة مع البحر حيث تعتمد عليه في معيشتها ورزقها اليومي.
و يضيف السبب أن بلدة “ضاية” التابعة للرمس قبل الاتحاد والمليئة بأشجار النخيل السامقة والخضراء كانت مصيفا يحج إليه أبناء المنطقة خلال فصل الصيف في ظل عدم وجود الكهرباء وهو التقليد الذي انقطع بعد نشأة الدولة وظهور الكهرباء في حياة الناس الأمر الذي عايشه الشاعر السبب بنفسه وكان شاهدا عليه.
أما أبرز محطات تاريخ الرمس الحافل ومنعطفاته، كما يرى، فهي ما كانت قلعة ضاية القريبة شاهدة عليه حيث تحصن الأهالي في جوفها في معارك ضد الحملة الإنجليزية.
ويذكر الشاعر عبد الله السبب أن أبرز آثار الرمس ومعالمها التاريخية هما برج ومربعة معروفتان في المنطقة ويشار إليهما بالبنان الأول هو “برج الرمس الغربي” ويتخذ شكلا دائريا تحول في مرحلة لاحقة بعد نشأة الاتحاد إلى مركز لشرطة الرمس والثاني هو “المربعة الشرقية” والتي شيدت في عهد صاحب السمو الشيخ صقر بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم رأس الخيمة.
الله على بلادي الحلوه
والله على ناسها الطيبين
مشكورين أنكم عرضتوا لنا الموضوع
لأنكم لو ما عرضتوه ما عرفنا به
(( الرمس نيوز )) أبداع