محطات غسيل السيارات التقليدية خطر على مستقبل المياه الجوفية
الخليج – تحقيق: محمد الدويري
المياه الجوفية ثروة من الثروات التي يجب المحافظة عليها بالشكل الصحيح، لأنها قد تكون المصدر الوحيد للمياه العذبة في المستقبل في حال حدوث مشكلات غير متوقعة، وعدم وجود مصادر مياه سطحية دائمة يمكن الاعتماد عليها مما يلفت الأنظار إلى المخاطر التي تهدد مستقبل المياه الجوفية، نتيجة الأنشطة الصناعية والأعمال الجائرة التي تستنزف هذه المياه أو تلحق الضرر بها، والتي تعتمد كلياً في عملها على المياه كمحطات غسيل السيارات .
وتعد محطات غسيل السيارات من أهم مصادر تلوث المياه الجوفية واستنزافها في حال لم تتبع الطريقة الصحيحة والصديقة للبيئة، وهذه المحطات تستخدم بكثرة المياه دون اللجوء إلى أنظمة ترشيد الاستهلاك في معظمها، التي في أغلبها تعتمد على أنظمة الصرف الصحي كوسيلة للتخلص من المياه المستعملة، ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى تسرب ما تحمله من مواد كيميائية جراء استخدامها لمواد التنظيف المتنوعة، ومخلفات السيارات من شحوم وزيوت إلى الطبقات الدنيا وتلويث المياه الجوفية .
"الخليج" تجولت في العديد من محطات غسيل السيارات في صناعية مدينة العين، وتبين أن هناك تقاعساً كبيراً من قبل العاملين في أغلبية هذه المحطات لمحو المحافظة على النظافة العامة، إضافة إلى تلوث قنوات الصرف الصحي بشكل كبير، واستنزاف كبير لكميات المياه المستخدمة في غسيل السيارات، دون مراعاة الطرق الحديثة الصديقة للبيئة والتي لها دور في استدامة آبار المياه .
أبو سارة مدير إحدى محطات غسيل، يقول: إنهم يستهلكون يومياً ما بين 4 – 7 آلاف لتر من الماء، وذلك يعتمد على حركة الزبائن، مشيراً إلى أنهم لا يستخدمون أي نظام لترشيد استهلاك المياه أو إعادة تكرارها، إضافة إلى أن وسيلة التخلص من المياه المستعملة هو عبر قنوات الصرف الصحي .
مسؤول محطة أخرى رفض ذكر اسمه قال إنهم يغسلون يومياً ما يقارب 100 سيارة دون اللجوء إلى أنظمة الإرشاد في استهلاك المياه أو عملية تكرار المستعمل منها، لفرز متبقيات السيارات من زيوت ومخلفات المشتقات النفطية من سولار وبنزين العالقة في جسم السيارات، مضيفاً أنهم يستخدمون قنوات الصرف الصحي للتخلص من المياه المستخدمة، والتي تبين ل"الخليج" أثناء وقوفها على عملية الغسيل وتصريفها للمياه عبر قنوات الصرف أنها محملة بالكثير من المواد الزيتية نظراً للونها الأسود إضافة إلى انتشار الأوساخ في قنوات الصرف الصحي، وعدم تنظيفها بين الآونة والأخرى .
اتبعت إحدى المحطات نظام التوفير والترشيد في استهلاك المياه المستخدمة في عملها، عن طريق مضخات مياه تركب في مقدمة الخرطوم، لكنها لم تستخدم نظام التكرار للمياه المستخدمة وفصل بقايا الزيوت العالقة في جسم المركبات لضمان عدم تلويث البيئة .
من جانبه، قال أحمد نادر النيادي رئيس قسم الانشطة الصحية في بلدية العين إن البلدية تقوم بالرقابة على محطات غسيل السيارات بشكل دوري، للتأكد من توافر الاشتراطات الصحية وتطبيقها، حيث وضعت البلدية 24 بنداً للاشتراطات الصحية، تضم ثلاثة مجالات اساسية هي مجال السلامة البيئية كتوفير حاويات لحفظ المخلفات المعدنية والبلاستيكية، وتوفير سلة مهملات ذات غطاء وتجهيز مجاري تصريف المياه عند المدخل، ومجال السلامة الصحية كتوفير قاتل للحشرات، وصالة للانتظار .
فيما يتضمن مجال السلامة المهنية توفير معدات السلامة المهنية للعمال كالقفازات والأحذية الطويلة، إضافة لتوفير صناديق للإسعافات الاولية، ومنع العمال من السكن داخل المغسلة .
وقال سلطان علوان الوكيل المساعد لقطاع الموارد المائية والمحافظة على الطبيعة بالوكالة في وزارة البيئة والمياه، إن الأضرار التي تسببها الزيوت المعدنية الناتجة عن غسيل السيارات للبيئة والمياه الجوفية في حال تسربها إلى جوف الارض، هو تلوث المياه الجوفية وخزانات المياه الصالحة للشرب، مع الأخذ في الاعتبار تلوث ومزج مياه الصرف الصحي مع هذه المواد الكيمائية السائلة والمتحللة .
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر |
وأكد أن عملية التخلص من الزيوت والمحروقات المستخدمة في التشحيم وغيار زيوت المركبات والغسيل من خلال سكبها بطرق غير علمية، تؤثر سلباً في استدامة المياه الجوفية، موضحاً أن التربة تعمل كمرشح للسوائل المتسربة لجوف الأرض، ما يعزز ندرة تلوث المياه الجوفية، وكون الآبار الجوفية بعيدة جداً عن أماكن غسيل السيارات .
وأشار إلى أنه يتم غسيل السيارات في الأماكن المرخصة والتي تخصص مسارب خاصة لتجميع السوائل الناتجة عن غسيل السيارات والمتمثلة في الماء وبقايا الزيوت ومخلفات أخرى، لذا من الصعب تسربها إلى المياه الجوفية أو باطن الأرض، ويتم التخلص من مياه غسيل السيارات عن طريق الصهاريج الخاصة بنقلها إلى مواقع التخلص النهائي وفق الاشتراطات التي تضعها السلطات المحلية بالدولة .
وأكد إنّ للمياه الجوفية أهمية استراتيجية كبيرة، حيث تعتبر المياه الجوفية العذبة المحدودة والمياه الجوفية شبه المالحة المخزون المائي الاستراتيجي الرئيسي في الدولة، ومازالت المياه الجوفية هي مصدر مياه الري الأساسي .
وانطلاقاً من رؤية الحكومة الرشيدة في تعزيز التنمية المستدامة للموارد الطبيعية وتحقيق الأمن المائي، اعتمد مجلس الوزراء في عام 2024 استراتيجية وطنية للمحافظة على الموارد المائية تشمل موجهات رئيسية للإدارة المتكاملة للموارد المائية، والمحافظة عليها وتعمل وزارة البيئة والمياه والجهات المعنية ذات العلاقة على تنفيذ موجهات هذه الاستراتيجية من خلال مشاريعها وخطط عملها بهدف تحسين إدارة الموارد المائية وإدارة الطلب عليها، وتنفيذ مشاريع تؤدي إلى استدامة استخدام المياه الجوفية وعمليات التحلية مع استخدام الطاقة المتجددة والبديلة، والتوسع في معالجة المياه العادمة والتنويع في استخداماتها واستمرار مشاريع إنشاء السدود والحصاد المائي والتخزين الاستراتيجي للمياه، وتطوير سياسات المحافظة على المياه في جميع قطاعات الاستهلاك .
قال الدكتور عماد سعد مستشار استدامة ومسؤولية مجتمعية للمؤسسات، إن استعمال الماء بالطرق القديمة وخاصة في محطات غسيل السيارات، مثل الغمر أو الاستعمال المفرط للمياه يؤدي إلى زيادة تركيز الأملاح والمعادن والنترات في المياه الجوفية في حال حصل تسريب وهذا محتمل جداً، وخاصة إذا لم تتوفر أنظمة الصرف الحديثة أو إعادة تكرير المياه بشكل سليم ما يؤثر سلباً في استدامة المياه العذبة .
وأضاف أنه يجب رفع مستوى الرقابة والوعي البيئي في المناطق الصناعية وخاصة محطات غسيل السيارات، بأهمية عدم تلوث المياه، وتصحيح السلوكيات الخاطئة التي تسبب الهدر والإسراف في هذا العنصر الحيوي .
وأشار إلى أنها من أهم المبادئ التنموية التي تحرص عليها الدولة، في ظل النمو السكاني والنشاط الصناعي الذي أصبح يشكل ضغطاً كبيراً على موارد المياه الجوفية، لتصبح أكثر التحديات التي تواجه الاستدامة لمستقبلها .