مكالمات النبأ السعيد فخ يصطاد الحالمين بالربح السريع
الخليج – تحقيق: محمود محسن
ازداد في الآونة الأخيرة، تلقي مستخدمي شبكات الاتصال الخلوي بالدولة مكالمات هاتفية غرضها الاحتيال، بحجة فوز العميل بجائزة مالية كبرى أو عينية ضخمة، يسيل لها لعاب الفريسة وتنقاد وراءها من دون تفكير أو حتى التمعن في مصدر المكالمة حاملة النبأ السعيد، وبكامل الإرادة ترضخ الضحية للمطالب التي يزعم صاحبها أنها من شروط تسلم الجائزة ومن دونها قد يخسرها أو تحول لمستخدم آخر، فينهمك العميل بتنفيذ تلك الشروط خوفاً من ضياع الفرصة الذهبية، ولإدراكه التام بأن الشروط أو الرسوم المطلوبة ما هي إلا مبالغ رمزية إذا ما قورنت بقيمة الجائزة .
وتتسلسل خطوات ابتزاز الضحية، خطوة تلو الأخرى بإتقان تام، وسط فرحة العميل الذي أغمت قيمة الجائزة الزائفة عينه وعقله، وهنا يقع الضحية بالفخ من دون وعي، لانشغاله الكلي بتنفيذ الخطة المحكمة، كما خطط لها، والتي ما أن تتم يفاجأ المتعامل بأنه تشبث بخدعة وجائزة وهمية، حبكها الجاني بإتقان، وتدارك بعدها أن النبأ السعيد تحول إلى غش متكامل الأطراف، ابتز من خلاله دون عناء أو جهد من الجانب الآخر .
محمد علاء الدين، إحدى الضحايا التي تعرضت لمثل تلك المكالمات، يقول: أقنعني المتصل تماماً بنيلي جائزة ضخمة، وذلك بناء على إشراك رقمي الشخصي في مسابقة، وتم اختياره عشوائياً للفوز بسيارة دفع رباعي، ولكي يتسنى لي استلامها، ما علي إلا أن أدفع رسوم تأمين المركبة فقط، وباقي الإجراءات سيتم التكفل بها من قبل الشركة المانحة .
مع الوهلة الأولى لم أفكر إلا في السؤال عن كيفية دفع المبلغ المراد للتأمين، وكيفية التواصل مرة أخرى مع المتصل حتى لا تضيع الفرصة، ولكي أحظى بالجائزة، إلا أنني وفي أحد النقاشات مع أصدقائي، تطرقنا لموضوع المكالمات الهاتفية الوهمية التي قد يتعرض لها البعض ويخدع لقلة الخبرة بهذه الأمور، وعند طرحي لما جرى معي، حذرني أصدقائي من الاندفاع، والتأكد من مصدر الاتصال قبل الخوض في أي إجراء يسبق تسلم الجائزة، فانتابني الشك وعدم التأكد من المصدر، الأمر الذي قادني لصرف النظر تماماً تجنباً لأي عملية وهمية .
اتصالات
أما شريف عمر أبو طالب، فيقول: تلقيت أحد الاتصالات من رقم لا يدل على صلته بشركة "اتصالات"، حيث إنه من المعروف أن لدى الشركة أرقاماً محددة يمكن أن يستدل عليها من كتيبات التعريف والمنشورات الورقية أو عن طريق الرسائل النصية، ومضمون المكالمة تضمن أن المتصل هو أحد العاملين بالشركة، وطلب مني أن أتحقق من مطابقة رقم أملاه علي برقم آخر يوجد خلف شريحة الهاتف المحمول، لأنه في حالة تشابه الرقمين قد يخولني للفوز بالإصدار الأخير لأحد الهواتف الذكية، وطلب مني بمجرد إنهاء المكالمة التأكد من الرقم ومعاودة الاتصال مرة أخرى .
أدركت حينها أنها إحدى الألاعيب التي يستخدمها البعض للإيقاع بالضحية، وهي خداعهم بأنه من موظفي شركة "اتصالات" لطمأنة العميل وعليه يقوم بمعاودة الاتصال وبواسطة إحدى الطرق التقنية يتم سحب الرصيد بشكل كامل لحظة الرد على الضحية، ومع تيقني بأن الأمر أكذوبة ليس إلا، إلا أنني أجريت مكالمة لخدمة العملاء بالشركة، للتحقق من إمكانية تواصل الموظفين مع العملاء من قبل أرقام هواتف خلوية غير المعلن عنها، فأكد لي الموظف أنه لا صحة للمكالمة التي تلقيتها، بل إنها إحدى محاولات الاحتيال وقد تم تسجيل شكوى باسمي ومعاودة الاتصال للتأكد من بعض المعلومات ولتسجيل رقم منتحل شخصية موظفي الشركة .
وتتنوع وتتشكل أساليب الحيل التي يتبعها الجناة للإيقاع بالضحايا، إذ تقول آلاء عطية: اتصل بي شخص من الجنسية الآسيوية محاولاً التحدث باللغة العربية، ليخبرني بفوزي بجائزة مالية كبيرة، وأنني عند تسلم الجائزة سأحظى بالتصوير مع أحد أبرز الشخصيات بالدولة، كما طلب مني نسخة عن بطاقة الهوية ورقم جواز السفر وتحويل مبلغ 5 آلاف درهم على رقم حساب خاص، حتى يتمكن فيما بعد من تحويل الجائزة عليه .
قمت بالفعل بالمضي في الإجراءات، وذلك من خلال إرسال نسخة عن الهوية الوطنية ورقم الجواز، وعند سؤالي لأحد أفراد أسرتي عن طريقة تحويل مبلغ مالي لحساب معين، طلب مني السبب وأخبرته عن الجائزة، حينها منعني من استكمال الإجراءات، لأنها مجرد خدعة كدت أن أقع فيها، وعلى الفور تواصلت مع الشرطة الذين أكدوا لي حقيقة تلك العملية الوهمية وأن هناك الكثير من ضحايا تلك الألاعيب، وطلبوا مني عدم القلق بشأن ما أرسلت من مستندات، وإرسال رقم المتصل لهم للتحقق والتعرف إليه .
ويؤكد المحامي يوسف البحر أن قانون العقوبات الاتحادي رقم 3 لسنة ،1987 أوقع عقوبات تتراوح بين الحبس أو الغرامة، إضافة إلى الإبعاد على أي شخص يحتال على آخرين، سواء كان عبر الإنترنت أو مواقع التواصل الاجتماعي، والخدمات الهاتفية، أو الشعوذة أو انتحال شخصية معينة من أجل كسب المال .
والمادة 399 من قانون العقوبات، تنص في بندها الأول على أنه: يعاقب بالحبس أو بالغرامة كل من توصل إلى الاستيلاء لنفسه أو لغيره على مال منقول أو سند أو توقيع هذا السند أو إلى إلغائه أو إتلافه أو تعديله، وذلك بالاستعانة بطريقة احتيالية، أو باتخاذ اسم كاذب أو صفة غير صحيحة متى كان من شأن ذلك خداع المجني عليه وحمله على التسليم .
ويعاقب بالعقوبة ذاتها كل من قام بالتصرف في عقار أو منقول يعلم أنه غير مملوك له، أو ليس له حق التصرف فيه، أو تصرف في شيء من ذلك مع علمه بسبق تصرفه فيه أو التعاقد عليه وكان من شأن ذلك الإضرار بغيره .
ويقول: الشروع في الاحتيال على آخرين، شدد المُشرع العقوبة عليها أيضاً في المادة ذاتها ضمن البند ثانياً : "يعاقب على الشروع بالحبس مدة لا تتجاوز سنتين أو بالغرامة التي لا تزيد على عشرين ألف درهم، ويجوز عند الحكم على عائد بالحبس مدة سنة فأكثر أن يحكم بالمراقبة مدة لا تزيد على سنتين، ولا تتجاوز مدة العقوبة المحكوم بها" .
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر |
كما أن إدانة أي شخص بجريمة الاحتيال على آخرين توجب إبعاده عن الدولة عملاً بالمادة 121 من قانون العقوبات والتي تنص: "إذا حكم على أجنبي بعقوبة مقيدة للحرية في جناية أو جنحة جاز للمحكمة أن تأمر في حكمها بإبعاده عن الدولة، ويجب الأمر بالإبعاد في الجنايات الواقعة على العرض" .
وبالمقابل، حذر اللواء خبير خليل ابراهيم المنصوري، مساعد القائد العام لشرطة دبي لشؤون البحث الجنائي افراد المجتمع من الانسياق وراء الادعاءات الكاذبة برسالة أو اتصال هاتفي، أو بريد إلكتروني حول الادعاء بكسب جائزة .
وقال: إن كل هذه الإدعاءات، أساليب احتيالية يلجأ إليها بعض ضعاف النفوس والنصابون ليس محلياً فقط، لكنها تشمل التي تأتي من الخارج أيضاً: "بالعقل، لا يمكن أن يربح شخص جائزة وهو جالس في بيته، أو في مكتبه دون أن يشارك في أي مسابقة" .
"الأمور الاحتيالية ظهرت في السنوات الأخيرة مع التقدم التكنولوجي، وزيادة الخصائص والميزات في الهواتف الحديثة التي من خلالها استطاع النصابون أن يصلوا إلى أي رقم هاتفي بشكل عشوائي، أو عناوين البريد الإلكتروني لبعض الأشخاص .
لا أنفي أن يكون هناك بعض الأشخاص من العاملين في بعض الجهات، ومن خلال بعض المعاملات التي يقوم بها الشخص، يسجل هاتفه أو بريده الإلكتروني، فهناك أشخاص متخصصون في بيع هذه المعلومات على آخرين يقومون بعمليات نصب واحتيال" .
اللواء خبير خليل إبراهيم المنصوري مساعد القائد العام لشرطة دبي أكد أن هناك أناساً يدعون أنهم من دول عربية فيها اضطرابات سياسية، ويتحدثون باسماء عربية، ويدعون أنهم أولاد أو زوجات مسؤولين أو وزراء وبنفس الأسلوب يقولون: إنهم يمتلكون أموالاً يرغبون في ارسالها لشخص أمين، أو أنهم مصابون بأمراض مزمنة وسيل من الإدعاءات الكاذبة التي لا تهدف في النهاية إلا لسلب المال أو سرقة بيانات أشخاص، أو حسابات مصرفية لأفراد .
أطالب المجتمع بسرعة الإبلاغ عن مثل هذه الادعاءات الكاذبة، من خلال الخط الهاتفي 800243 في الإدارة العامة للتحريات والمباحث الجنائية، حتى يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة بضبط هؤلاء المحتالين، إذا كانوا داخل الدولة، أو التواصل مع السلطات المعنية في الدول التي صدرت منها تلك الاتصالات لاتخاذ ما يلزم بشأنهم . شرطة دبي لديها من الإمكانات والخبرات التي تمكنها من الكشف عن هؤلاء المحتالين، والقبض عليهم سواء محلياً أو خارجياً، كما أدعو الجميع إلى الحذر وعدم التجاوب مع تلك الادعاءات الكاذبة .