والدا رسول الله في الجنة
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر |
*جريدة الخليج
د. عارف الشيخ:
من المعلوم أن والدي الرسول صلى الله عليه وسلم توفيا قبل بعثة الرسول التي كانت بعد بلوغه عليه الصلاة والسلام الأربعين.
وليس لأحد أن يحكم عليهما بأنهما في النار، لأن هذا الحكم يتعارض مع قوله تعالى: «وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً»، (الآية ١٥ من سورة الإسراء).
وجمهور السلف ومنهم الأئمة الأربعة المعتبرون، يقولون إن والدي المصطفى صلى الله عليه وسلم ناجيان من النار، لأن الآية أو الآيات عموماً تدل على أن الله تعالى لا يعذب أحداً قبل أن يرسل إليه الرسول، ويقيم الحجة عليه.
والسبب في كونهما لا يدخلان النار ولا يعذبان، هو أنهما لم تبلغهما دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم، لأنهما ماتا قبل أن يبعث الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقال بعضهم: إنهما لا يعذبان، لأنهما من أهل الفترة أي فترة انقطاع الرسل بين عيسى عليه السلام وبين بعثة محمد صلى الله عليه وسلم، لكن يمتحنان في الآخرة، لأنهما وإن كانا لم تبلغهما دعوة النبي إلا أنهما يمتحنان يوم القيامة، فإن أجابا صارا إلى الجنة، وإن عصيا صارا إلى النار.
يقول الشيخ عبدالعزيز بن باز: وهكذا الشيخ الهرم الذي ما بلغته الدعوة، والمجانين ومن شابههم من الذين لم تبلغهم الدعوة، وكذلك أطفال الكفار، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما سئل عنهم، قال: «الله أعلم بما كانوا عاملين».
وامتحانهم يوم القيامة يكون كما رواه الإمام أحمد بن حنبل والبيهقي عن الأسود بن سريع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أربعة يمتحنون يوم القيامة: رجل أصم لا يسمح شيئاً، ورجل أحمق، ورجل هرم، ورجل مات في فترة».
فأما الأصم فيقول: يارب لقد جاء الإسلام وما أسمع شيئاً، وأما الأحمق فيقول: يارب لقد جاء الإسلام والصبيان يحذفون بالبعر، وأما الهرم فيقول: رب لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئاً، وأما الذي مات في فترة فيقول: رب ما أتاني لك رسول.
فيأخذ الله مواثيقهم ليطيعوه، فيرسل إليهم أن ادخلوا النار، فمن دخلها كانت عليه برداً وسلاماً، ومن لم يدخل يسحب إليها.
وأبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن يطيعون عند الامتحان إن شاء الله تعالى، فتشملهما شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم عندما يقال له: ارفع رأسك يامحمد، سل تُعط واشفع تُشفع، والرسول صلى الله عليه وسلم عند المقام المحمود يوم القيامة يدعو بما شاء.
ومما يدل على نجاة أبوي المصطفى صلى الله عليه وسلم أيضاً، ماورد في تفسير ابن جرير الطبري عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لقوله تعالى: «ولسوف يعطيك ربك فترضى».
قال ابن عباس: من رضا محمد ألا يدخل أحد من أهل بيته النار، والقول إنهما في النار ولم يثبت في حقهما شرك، قول جانبه الصواب، لأن أمثالهما كانوا على الملة الحنفية التي هي دين إبراهيم عليه السلام كورقة بن نوفل مثلاً.
ثم إننا إذا قلنا بأنهما في النار، لأنهما مشركان، قول لا يقبله المنطق والعقل، إذ كيف يكونان مشركين، والله تعالى يقول: «إنما المشركون نجس»، وفي الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لم أزل انتقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات».
أقول: وهذا القول ينسب إلى المفسر الكبير فخرالدين الرازي (راجع تفسيره لقوله تعالى: إنما المشركون نجس).
وقال بعض العلماء: إن الله تعالى أحيا أبوي المصطفى صلى الله عليه وسلم حتى ماتا مؤمنين به تشريفاً لا تكليفاً، وقد قال بهذا القرطبي والخطيب البغدادي والمحب الطبري.
وإنني في نهاية القول أرتاح لقول الشيخ ابن العربي المالكي، لمن قال له: إن أبا النبي صلى الله عليه وسلم في النار، فأجاب ابن العربي: «من قال ذلك هو ملعون لقوله تعالى: «إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذاباً مهيناً».(الآية ٥٧ من سورة الأحزاب)
ثم قال: «ولا أذى أكبر للرسول من أن يقال له إن أباك في النار».