قال الشيخ: ألا ان للقلب غذاء كما للجسد غذاء، وغذاء القلب العلم والحكمة والتزكية، أو قل القرآن والسنة النبوية المطهرة والطاعة، أو قل الإسلام والإيمان والإحسان، ومتى اعتل القلب فانه لا يقبل الغذاء كما الجسم يرفض الغذاء في حال المرض، ورفض القلب للغذاء انما يكون بعدم الخشية والخشوع، وتقلقل محبة الله ورسوله، وعدم الأنس بالله والصحبة الصالحة، ذلك أن حب الدنيا لا يجتمع مع حب الله ورسوله في قلب واحد، فالله سبحانه وتعالى أغير على قلب عبده أن يدعي حبه ثم يتعلق بمتاع الدنيا.
فإذا تضخم حب الدنيا في قلب العبد ألزمه فراش الغفلة حتى يصير قليل العمل الصالح مع صدق التوجه والإخلاص أشد عليه من شغل الدنيا بما فيه من شدة وتعب، ونحن في زمان يعمل فيه الواحد منا لتحصيل رزقه معظم النهار فاذا جاء وقت الصلاة تثاقل في القيام بها كأشد ما يكون العمل، فما بالك بالنوافل وأعمال التقرب الأخرى؟
وانني أذكر أنني كنت في سفر لعمل، وكان العمل يأخذ من النهار أكثر من عشر ساعات، وبينما أنا على هذه الحال اتصلت بشيخ لي حفظه الله لأطمئن عليه ولأسأله ان كان ذا حاجة من البلد الذي أنا فيه لأقضيها، فلما سألني عن عملي حمدت الله عز وجل مع بيان حال التعب الذي أنا فيه، فإذا به يقول لي: «فإذا فرغت فانصب والى ربك فارغب» فكأنني سمعتها للمرة الأولى.
فصرت لا آوي إلى النوم قبل أن أصلي ركعتين أطيلهما حسب القدرة، وهذا توفيق من الله ومعروف من الشيخ وقد لمست لهاتين الركعتين آثارا عجيبة في قلبي فالحمد لله على ما أكرمني به من هذا العطاء،
واعلم أن البصر نافذة القلب إلى العالم الحسي، وأن البصيرة نافذته إلى عالم الغيب والحقائق.
والمرء منا في عبوره في هذه الدنيا يحتاج إلى البصر والبصيرة وان كانت حاجته للبصيرة أقوى وأشد، فعلى بصيرته تعتمد نجاته في الآخرة وتمتعه بالخلود في جنة الأنس بالله فضلا عن تمتعه بالمعارف الجميلة والجليلة في الحياة الدنيا.
ومما يقوي البصيرة العلم بأسماء الله الحسنى وصفاته العليا، وتجوال العقل والقلب في حدائق هذه الكمالات التي لا تحصى، فقد عرفنا الحق سبحانه وتعالى بنفسه بأسماء وطلب منا أن ندعوه بها لما تتركه من يقين في القلب لا يتزحزح كالجبال، ومن عرف الله بأسمائه هانت في عينه الدنيا ولم يبق في قلبه مقدار ذرة من حب لها، وطاب له الأنس بالله وسيطر عليه الشوق إلى لقائه وهذا بكرم منه وتوفيق عز وجل.
ومما يغذي القلب السليم ويقوي البصيرة النظر إلى حقيقة هذه الحياة الدنيا، بقصرها وكدحها ودناءتها وتقلبها وعدم خلوصها لأحد، سيما اذا ما نظر إلى ما يقابلها من عوالم الغيب الحاضرة والآخرة.
ذلك أن أصل كل شقاء هو التعويل على هذه الدنيا التي هي لا شيء أمام بحر الوجود الحقيقي، والتي تطوى بكل ما فيها بلمح البصر، فمن عول على الدنيا كان كمن يمشي على رمل متحرك لا يلبث أن يبتلعه فيصير ممن باعوا دنياهم الشريفة وآخرتهم الخالدة بسراب من لذات فانية، وما يفعل ذلك الا شقي لم يبادر إلى مرضاة ربه فيسرت له العسرى.
ومما يغذي القلب السليم ويجلي عن البصيرة غبشها النظر في قبح مساخط الله عز وجل، وقد استدل كثيرون إلى حياة المروءة بعقولهم كما امتنع الصديق رضي الله عنه عن الخمرة حتى قبل الاسلام، فالحق سبحانه وتعالى لم يأمرنا الا بطيب ولم ينهنا الا عن خبيث، ومما يغذي اليقين في القلب السليم التأمل في خبث الخبيث المنهي عنه وطيب الطيب المأمور به أو المباح، حتى تصير الطاعة أحب إلى المرء من سواها لطيبها ولأنها تحقق مرضاة الله عز وجل.
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر |
واعلم انك في كل هذا في حاجة إلى مرب بصير بأحوال القلوب خبير بالوقوف على شواطئ بحار الغيوب، فما قويت بصيرة ولا قلب امرئ أراد أن يعيش إيمانه بنفسه دون معلم صادق وصحبة صالحة.
تقبلووووووووووا تحياتي : ابتسامة