سبق
‘أنتم إخواني الصغار، وأنا مثل أخيكم الكبير، شدوا حيلكم، الله يوفقكم ، أبشروا’.. كانت هذه العبارات آخر كلمات قالها المعلم إبراهيم محمد متولي رحمه الله لطلابه، إلى أن وافته المنية أمامهم أثناء تصحيحه لدفاترهم، بعد أن شرح لهم درساً في مادة الرياضيات ليفجعوا بمن اعتبروه أخاهم ومعلمهم الأفضل ومساندهم.
ووفق صحيفة سبق كشف يحيى الزبيدي أحد طلاب المعلم إبراهيم محمد متولي- رحمه الله- والذي سقط أمامه اليوم في الصف الثاني الثانوي، ويقول: دخل المعلم علينا مبتسماً كعادته يبادرنا السلام والتحية والكلمات التشجيعية التي اعتدنا على سماعها منه، ولم تظهر عليه آثار تعب.
طالب : سقط وهو يصحح دفاترنا
وتابع: المعلم إبراهيم كان حريصاً على تعليمنا، وكان يقوم عادة في بداية كل حصة بالسؤال عن الواجب ويسجل في دفتر ملاحظاته من لم يقم بحل الواجب، إلا أنه اليوم وقبل وفاته- رحمه الله- وعلى غير عادته لم يحاسب بعضاً من الطلاب الذين لم يحلوا الواجب وسامحهم، ولم يدون ذلك في سجل الملاحظات لديه إلى أن سقط وهو يصحح دفاترنا- رحمه الله- وقمنا فوراً بإشعار الإدارة وقمنا بمساعدة المعلمين بحمله إلى أقرب مستشفى إلا أنه تبين لنا أنه توفي يرحمه الله.
ويؤكد الطالبان: زياد البلوي، ومهند مطر، أنه دائم النصح لنا، وكان- رحمه الله- يقوم بتدريبنا على اختبارات القدرات كل يوم خميس في المدرسة، مستقطعاً من جهده وعمله دون أي مقابل، ولم يكن يوماً مستغلاً الطالب في حاجة أبداً، هادئ ووقور وعمليّ، وبالرغم من تخصص الرياضيات الذي عادة ما يعتبر ثقيلاً على الطلاب، إلا أنه ترك في نفوسنا حباً لهذه المادة وله شخصياً لن يُنْسَى.
ويصف المعلم أحمد البلوي ‘أحد زملاء المعلم رحمه الله وأحد طلابه في السابق’: كان الموقف مهيباً جداً؛ تجمدت المشاعر وتغيرت الملامح، رجل خطف قلوب الطلاب والمعلمين بطيب تعامله والابتسامة التي لا تفارقه طوال اليوم الدراسي ، فمنذ أن درسني في المتوسطة إلى أن كان لي نصيب، وزاملته كمعلم في الثانوي وهو قمة في الأخلاق، فهنيئاً له محبة الجميع وصدق تأثرهم ودعاؤهم، هنيئاً له بأبنائه وحفظهم لكتاب الله.
معلم : رأيته بعد وفاته فسبحان من ينير الوجوه
وأضاف المعلم البلوي : رأيته بعد وفاته فسبحان من ينير الوجوه لتظهر لنا ما تخفيه الصدور؛ فلا نملك له إلا الدعاء له؛ اللهم اغفر له وارحمه واغسله بالماء والثلج والبرد، ونور قبره ووسع مدخله واجعل مثواه الجنة.
ويروي المعلم سلطان الفيفي أحد زملاء المعلم ‘رحمه الله’، ويقول: على مدى خمس سنوات وأنا زميل له، وطوال تلك السنوات التي عرفته بها كان يصوم الاثنين والخميس والأيام البيض، وهو يحفظ القرآن كاملاً رحمه الله، والمتون العلمية، ويحرص على حضور مجالس العلم ، كما أن ثلاثة من أبنائه يحفظون القرآن، وزوجته أيضاً تحفظ القرآن، وهي معلمة في أحد دور تحفيظ القرآن في تبوك.
وقال: حضر اليوم ولم تظهر عليه آثار التعب أو المرض، ولم يكن يعاني من أي مشاكل صحية، ومع بداية الحصة الثانية حضر إلينا طلابه مفجعين على معلمهم الذي سقط بينهم، وقمنا وإدارة المدرسة لنقله إلى أقرب مركز إسعافي وهو مستشفى الأمير فهد بن سلطان إلا أنه توفي يرحمه الله.
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر |
وتابع: قام الأخ الأكبر للمتوفَّى بإرسال وكالة وموافقة بدفنه بتبوك وتفويض أحد أٌقربائه؛ باستلام الجثمان للصلاة عليه ودفنه. وقد تقرر ذلك بعد صلاة ظهر غد الخميس، في جامع الدعوة بتبوك.
وأردف: من لا يشكر الناس لا يشكر الله، من هنا وعبر صحيفة ‘سبق’، أتقدم بالشكر الجزيل لجيران المعلم رحمه الله، وهم سعوديون؛ على وقفتهم المشرفة مع زوجته وأبنائه، والشكر موصول كذلك لجميع المعلمين والطلاب الذين تفاعلوا مع الحدث.
قائد تربوي : إن أتى عندي يأتي شفيعاً إما لطالب أو لزميل له
وقال القائد التربوي لثانوية ابن حزم، صالح بن فارس الربيعة: عمل معي- يرحمه الله- أكثر من ست سنين أحبه الكل؛ من معلمين، وطلاب، وأولياء أمور، لم يأت يوماً بطلب خاص له، وإن أتى فهو يأتي شفيعاً عندي إما لطالب أو لزميل له، يسبق وقت الواجب لأداء الواجب، ويبتسم عندما تحتاج الابتسامة في محيط الوجوه العابسة، لا يتحدث عندما يكون الحديث هزلياً، ويأتي بالحل عندما تكترب العقد، عبقري في مادته محترف في مهمته، لا يدع أشياء للمصادفة، عالمٌ، حافظٌ، عابدٌ، صائمٌ، مصلٍّ، حاجٌ معتمرٌ، صاحب أنفة وعزة نفس، كريم يد وطيب قلب، رحم الله الفقيد رحمة واسعة، وغفر له، وأسكنه نعيم جنانه.