هي مجرد لحظة، تلك التي تفصل بين الموت والحياة، بين الدفء بحضن الأحباء وفقدهم، آخذين معهم قلوب محبيهم ومذاق السعادة . أبناؤنا أولئك الذين نرويهم بعصارة قلوبنا، تأخذهم لحظات طيش المتعة ويتحدون قوانين الطبيعة، متناسين أنها الأقوى، وأنها لا تحابي أحداً في سننها، فنفقدهم في لحظة، مجرد لحظة طيش تنتحر على حافتها كل أحلامنا والضحكات، وهكذا رحل تاركاً أمه وإخوته الصغار من دون فرح .
كعادته خرج مع أصدقائه إلى البحر لقنص لحظات المتعة باللعب بالدراجات المائية، يسابقون فيها أصوات ضحكاتهم فتسبقهم أو يسبقونها، وفي لحظة جنون أراد أن يداعب صديقه فكان يسابقه بدراجته فوق أمواج البحر، فإذا ما اقترب منه انحرف فجأة مخلفاً شلالاً من المياه ينصب فوق صاحبه، بين صيحات المتعة والاستنكار مع كلمات الوعيد بالانتقام، وفي لحظة أراد فيها المزيد من الاستعراض، قام برش المياه على رفيقه، وانحرف فجأة أمامه من دون حساب لسرعة الآخر، الذي كان قد قرر أيضاً أن يداعبه بالإسراع إليه ثم الانحراف، فاصطدما وانقلبت دراجته ليصطدم جسمه بها، وفي لحظة غادر الحياة بين صدمة الأصدقاء، وهم يشاهدون رفيقهم يغادر من دون وداع في لحظة مرح بريئة .
الخبر جاء صاعقاً على الأم التي كان هذا الشاب هو سندها بعد أن طلقها والده قبل سنوات . لم تستطع أن تخرج من حزنها، فمن فقدته هو ابنها الأكبر، الذي كان ينفق عليها، وفي كل الأحوال هو ابنها الذي ربته يوماً بيوم، وهي تحلم أن تراه شاباً وتحمل أبناءه، وها هي كل الأحلام تغادر حزينة كما كل أيامها المقبلة، أما المحكمة الجزائية، فقد اعتبرت أن المجني عليه شارك بخطئه في وقوع الحادث، وبالتالي حكمت على صديقه المتهم بدفع نصف الدية فقط، وقدرها مئة ألف درهم .
لم تجد الأم أن هذا الحكم كافياً لجبر خاطرها وتعويضها فقد ابنها، فقامت برفع دعوى أمام محكمة أبوظبي المدنية للمطالبة بمبلغ مليون درهم كتعويض عن الأضرار المادية والمعنوية التي أصابتها بفقد ولدها، مشيرة إلى أنها مطلقة وكبيرة في السن وأنها الوريثة الوحيدة لولدها بعد أن تنازل والده عن حقه في الدية والتعويض عن وفاة ولده، وأضافت أن ولدها كان المعيل الوحيد لها ولأبنائها الأصغر سناً، وأن قيمة الدية لا تعد تعويضاً عن فقدها لإعالة ولدها لها . وأضافت أن وفاة ولدها أصابتها بالأسى والألم الكبيرين، وهو مالا يمكن أن يقدر بثمن، وبناء عليه طالبت بالتعويض بمبلغ مليون درهم .
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر |
من جهتها حكمت المحكمة الابتدائية المدنية بإلزام الشاب المتسبب في الحادث بدفع 50 ألف درهم تعويضاً عن الأضرار المعنوية التي أصابت والدة المجني عليه نتيجة وفاته، والتي بلا شك تسببت لها في الكثير من الألم النفسي والحزن الشديد، وأكدت المحكمة أن المدعية لم تتقدم للمحكمة بما يؤكد أن المجني عليه هو المعيل الوحيد لها، خاصة أن لديها العديد من الأبناء والبنات، ولا تتضمن أوراق القضية ما يفيد أنهم لا يعملون وليس لهم مصدر رزق، وبالتالي وجدت المحكمة أن المدعية لا تستحق التعويض عن الأضرار المادية لعدم ثبوتها .
لم ترض المدعية بالحكم الابتدائي، مؤكدة أن ابنها كان يعمل لدى إحدى الشركات الوطنية، وينفق من راتبه لإعالتها هي وبناتها . من جهتها أوضحت محكمة الاستئناف أن من يدعي إعالة ولده له قبل وفاته أن يقيم الدليل على هذه الإعالة، لأن إنفاق الولد على والديه ليست مقررة بقوة القانون، وعلى الوالدين أن يثبتا يسر ولدهما، وأنهما معسران، وأن ليس لديهما مال أو لديهما مال ولكن لا يكفي نفقتهما، وبما أن المدعية لم تقدم أياً من ذلك كما لم تطلب من المحكمة اتخاذ الاجراء اللازم لإثبات ذلك، فإنه لايوجد اثبات في هذه الحالة على إعالة المجني عليه للمدعية، خاصة أن لها أبناء آخرون، وبالتالي أيدت محكمة الاستئناف الحكم الابتدائي بقصر التعويض على الجانب المعنوي وتقديره بمبلغ 50 ألف درهم.[الخليج]