تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » ما أحوجنا إلى خلق “الحياء”

ما أحوجنا إلى خلق “الحياء” 2024.

خليجية

ما أحوجنا إلى خلق “الحياء”

سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر




د. محمود حمدي زقزوق:
عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر

تلك المشاهد والسلوكيات هي نتيجة طبيعية لغياب خلق الحياء الذي يعد أهم "ضابط" في حياة الناس أفراداً وجماعات، فمن شأن الحياء أن يمنع المرء من فعل أي شيء لا يتفق مع الأخلاق الكريمة والسلوك الحميد. وهذا يعني أن الحياء والضمير صنوان لا يفترقان. ومن أجل ذلك يعد الحياء في التصور الإسلامي عنصراً أساسياً من عناصر الإيمان، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث النبوي الشريف.


لقد علمنا رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه أن الإيمان ليس مجرد عقيدة قلبية، بل هو مرتبط بالعمل وبالحياة ارتباطاً وثيقاً، ولذلك نجد كثيراً من آيات القرآن الكريم تربط الإيمان بالعمل الصالح. والعمل الصالح لا ينفصل عن الحياة، فكل عمل يقوم به الإنسان في هذه الحياة، دينياً كان هذا العمل أم دنيويا، طالما قصد به المرء وجه الله ونفع الناس ودفع الأذى عنهم، هو عمل إيماني يؤجر عليه الإنسان حتى لو كان مطالباً شرعاً بفعله والحرص عليه.


والحياء الذي يحض عليه الإسلام ليس سلوكاً انطوائياً، وهو ليس خجلاً بالمعنى الشائع للخجل، لأن الخجل قد تكون له جوانب سلبية، أما الحياء فإنه إيجابي دائماً. ومن هنا يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: "الحياء خير كله". ولا يجوز أن يفهم الحياء على أنه أداة مانعة من فعل ما يشين فحسب، فالحياء يشتمل على ذلك وأكثر منه فهو مانع من الأفعال المرذولة ودافع إلى الأفعال المحمودة، لأنه إذا كان شعبة من شعب الإيمان، وإذا كان الإيمان لا ينفصل عن العمل، فإن الحياء لا ينفصل عن العمل أيضاً.


والحياء أفضل وسيلة لمقاومة رذيلة النفاق التي استشرت في عالمنا العربي وأفسدت حياتنا كلها، ذلك أن الحياء والنفاق لا يجتمعان، فالحياة الخلقية للإنسان لا تسمح له بأن يكون ذا وجهين يفعل أمام الناس شيئاً وبينه وبين نفسه يفعل شيئاً آخر مخالفاً. فهذا ليس من المروءة ولا من الأخلاق الكريمة في شيء، وهذا سلوك لا يقبله الإسلام من مسلم على الإطلاق.


فالمسلم الحق يستحي من نفسه كما يستحي من غيره، وهو فوق كل ذلك يستحي من خالقه، ومن هنا قيل: "إن المروءة ألا تفعل سراً أمراً وأنت تستحي أن تفعله جهراً". فالحياء إذاً سياج خلقي يمنع المرء من فعل أي أمر لا يتفق مع القيم الأخلاقية والدينية، ويهيئه في الوقت نفسه للالتزام بما يمليه عليه الضمير من سلوك فاضل.


وعلى النقيض من ذلك إذا فقد الحياء "أو سقط عن المرء برقع الحياء كما يقال" فإنه لا يجد حرجاً في فعل أي شيء يتنافى مع القيم الأخلاقية والدينية. ولا يخشى في سلوكه هذا لومة لائم. ومن أجل ذلك قيل: "إذا لم تستح فاصنع ما شئت". وما يصنعه الإنسان لا يقتصر عليه فقط، بل يتعداه إلى غيره في المجتمع. وهذا يعني أن الحياء ليس فضيلة فردية تقتصر على صاحبها فحسب، وإنما هو إضافة إلى ذلك فضيلة اجتماعية أيضاً تتعدى صاحبها إلى دائرة أوسع وتشمل المجتمع بأسره، كما أن نقيض الحياء من الصفاقة والفحش يتجاوز بدوره أيضاً دائرة الفرد إلى دائرة المجتمع.


والحياء من القيم التي عرفتها كل الشعوب منذ بدء الخليقة، ومن هنا يعد فضيلة فطرية. وقد أكدها الإسلام تأكيداً واضحاً بجعلها جزءاً لا يتجزأ من الإيمان وبجعلها معبرة عن خلق الإسلام، كما ورد في الحديث النبوي "إن لكل دين خلقاً، وخلق الإسلام الحياء". وفي ضوء ذلك كله ينبغي أن يظل الحياء قيمة أخلاقية وفضيلة اجتماعية لا تتأثر بظروف الزمان والمكان.


* * *


المصدر: جريدة الخليج، ملحق (الدين والحياة).

خليجية

خليجية


التعديل الأخير تم بواسطة مختفي ; 20 – 3 – 2024 الساعة 06:32 AM
خليجية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.