وام
عند مخرج رقم "119" على شارع الإمارات وأنت قادم من رأس الخيمة تصل إلى منطقة مزرع حيث تتوراى الكثبان الرملية خلف أشجار الغاف ويتوسط المنطقة برج دائري ضخم ..كما أن نوع الطين الذي استخدم في بنائه يدل حسب المختصين على أن المنطقة كانت سكنية .
ويقصد المواطنون والسياح المنطقة لاسيما في فصل الشتاء إذ تزهر ورود الحشائش البرية ويستظل قاصدوها بالغاف ..لذلك عدت من أحلى المناطق الصحراوية الرملية في الإمارة وبني فيها أخيراً مستشفى خليفة التخصصي وشيد فيها أحد الفنادق العالمية ..ويتوقع لها المختصون مستقبلاً زاهرًا كمنطقة طبيعية سياحية .
وذكرت صحيفة "الخليج" في تحقيق مصور لـ " حصة سيف " ..رغم أنها كانت إحدى المناطق التي يقصدها البدو للسكن فيها فإنها حاليا خالية من السكان وفيها عدد من العزب المتناثرة على رقعتها إلا أن جمال المنطقة باق ولا تزال تأسر ألباب ناظريها وزوارها القادمين إليها سواءً في الصيف أو الشتاء .
وتواصلت "الخليج" مع سكان المنطقة القدامى الذين وصفوا حياتهم فيها وحواليها قبل أكثر من 50 عاما.
ويقول سعيد بن يافور الغفلي "60 عاماً" من منطقة سبيت الجديدة .. كنا نسكن منطقة السمحة بالقرب من مزرع ..وكان انتقال البدو في الصحراء قديماً يعتمد على العشب والماء إذ نسكن في الصيف بجانب آبار المياه التي نطلق عليها "الطوي".. وكانت في مزرع طوي واحدة مشهورة وبالشتاء نقترب من العشب والكلأ وكنا حوالي 4 إلى 6 أسر تنتقل بشكل جماعي.. أما مساكننا فكانت عبارة عن "عرش" "مفرد عريش" في الصيف وبيت الشعر أو الخيم في الشتاء .
ويضيف " كانت النساء تغزل الخيام من شعر الغنم أو صوف الخرفان وكن يجلبن المياه من الآبار وتجمع كل واحدة منهن الحطب في حين كان الرجال يعتمد عليهم في توفير لقمة العيش من خلال المهن التي يمتهنونها سواء في بيع الحطب أو "المكدة" وتعني نقل الأهالي من مكان إلى آخر من خلال الجمال.. وكنا نصل إلى أبوظبي في أسبوع وكنا نحمل معنا الأكل والشرب ونخبز بأنفسنا "خبز" القرص وهو عبارة عن خبز سميك الحجم نوعاً ما يدفن تحت الفحم ثم ينظف من التراب ويقطع قطعاً صغيرة ويخلط مع السمن ".
والطريق إلى مزرع كان يبدأ من منطقة مسيخن ثم الرغلة وهي منطقة سبخة يستخدم طينها للبناء ومياه آبارها صالحة للشرب وبعدها منطقة "السكة" ثم نصل إلى مزرع .
ويحد "مزرع من الشمال مناطق المختبية وسلام وحيركة أما باتجاه الشرق فتحدها حريملة ومزيرعة وخريجة وجويعة ومن ناحية الغرب تحدها "امسيخن" و"امحيمضة" .
ويقول راشد عبيد مصبح الغفلي "55 عاماً" كان يسكن منطقة مزرع قبل خمسين عاما تقريبا ..كانت مزرع منطقة صغيرة يسكنها البدو في بيوت من شعر والبعض يسكن في خيم من أكياس الأرز المصنوعة من الخيوط التي تسمى محلياً "الخيش" ..وكنا ننتقل من مزرع إلى الحريملة والخريجة وسبيت وجميعها مناطق رعوية يتوافر فيها الغاف والحشائش وكنا نكد ونجمع الحطب لنبيعه في مدينة رأس الخيمة والجزيرة الحمراء.. كما كان الكثير من الأهالي يمتهنون مهنة "الكري" وهي اسم آخر لعملية حمل الركاب على الجمال للمناطق والجهات الراغبين في الذهاب إليها إذ كانت الجمال الوسيلة الوحيدة للتنقل .
ويقول "سميت المنطقة مزرع لتوافر الغاف والحشائش فيها أكثر..
كما أن تربتها تحتفظ بالمياه إلا أن منطقة الحريملة المجاورة لها اشتهرت أكثر بمياهها الحلوة في الآبار التي كانت تحفر فيها وكانت الغزلان والطيور والصقور والأرانب متوافرة فيها قديما.. وكانت مصدر رزق للأهالي إذ يصطادون الطيور وبخاصة "الصفارد" ويأكلونها ".
ويضيف "كان الأهالي يعالجون بالأعشاب التي نجلبها من أهالي الجبال ومنها بالزعتر واليعدة والحلول ..كما نستخدم الأرطة والغرا وهي نوع من الأشجار يتواجد في البر له أوراق صغيرة تستخدم في دباغة الجلود ".
أما عن علاقة البدوي بالجمال فهي وثيقة على حد قول الغفلي ونادراً ما تجد بدوياً لا يمتلك جملاً وأعداد الجمال التي يمتلكها البدوي لا تقل عن 70 رأسا يمتلكها عامة البدو وأعمارها تتدرج بالأسماء..
فالحوار عمره عام والفطيم عمره سنتان والحج ثلاث سنوات أما اللجي فعمره اربع سنوات واليذع خمس سنوات والثني ست سنوات أما الأرباع فعمره سبع سنوات والسدس ما بين 8 إلى 9 سنوات ..وأول فطر 10 سنوات وثاني فطر 11 سنه وهكذا .. ويعرف صاحب الجمال أعمارها بالتحديد كما أنها تعرف بألوانها الثلاثة الأساسية المحددة بالفحمة وهي الحمراء التي فيها بياض أما الصفراء فالأغلب التي يكون لون رأسها أصفر أما البيضاء فيغلب عليها اللون الأبيض ..ويضيف "يبرز البدوي جماله بالوشم وكل قبيلة لها وشم محدد يسمى "عزل" .
وعن الأعراس قديما قال : كانت معظمها وقت الشتاء لبروده الجو وكان التعاون بين الأهالي له رونق خاص في الأعراس فيما كان "سباق" الجمال من السمات الرئيسة لأعراس البدو التي ما زال البعض محافظاً عليها أما عن الرزفة فكان الرجال يقفون بين صفين متساويين ويشعلون النار بينهما في حين تتفرج النساء على الرزفة في مكان بعيد نسبيا عن موقع الرجال وغالباً ما يستمر العرس يومين .
وتقول أم عبيد "50 عاماً" من منطقة سبيت : كان مهر العروس في زماني يتراوح بين الخمسة آلاف و12 ألف درهم وكانت هناك "محنية" لدى كل عروس وهي مسؤولة عن تزيينها سواء بنقش يديها وأرجلها بالحناء أو تمشيط شعرها بالتسريحات المعروفة سابقا "بالعكفة أو الشونجي" وهي تسريحة قديمة يستخدم بها المواد العطرية إلى أن توصلها إلى منزل زوجها .
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر |
كما كانت العروس تلبس لبسها العادي في يوم زفافها وتخرج مع النساء لمشاهدة العرس ورزفة الرجال وسباق الجمال وفي صباح اليوم التالي تلبس ثوباً مطرزاً بالتلي و" ووقاية مفضضة" أي غطاء الرأس الذي يزين بالقطع الفضية الصغيرة التي كانوا يجلبونها من الهند وتذهب مع العروس جاراتها وحين تكمل 7 أيام في منزل زوجها تذهب زيارة لأهلها "زوارة العروس" وتجلب معها الخطارة وهي خبز أو أزر أو ما شابه من الأكل .
وتقول مريم راشد الغفلي "80 عاماً" : كنا نسكن بمنطقة تدعى الحريملة وأخرى يطلق عليها "اليدوع" إضافة إلى منطقة مزرع وننتقل من مكان إلى آخر بحثاً عن الماء والعشب ونبقى تقريباً في كل منطقة لمدة شهر ونصف الشهر وكان كل فرد في الأسرة يعمل لاسيما نحن النساء اللواتي علينا أعباء كبيرة إذ كنا "نروي من الطوي" أي نجلب الماء من الآبار ونخض اللبن ونصنع الجبن والسمن ونجمع الحطب.. كما كنا نجز شعر المواشي ونغزله فيما نتشارك في عمل الخيم التي نقيم فيها شتاء ولم نكن نعرف النوم إلا مساء وبقية يومنا في نشاط وعمل لا ينتهي لكن حياتنا كانت حلوة .
وتضيف: كانت إحدى النساء "مطوعة" حين كنا صغاراً تقرئنا القرآن لكني لم أذهب إليها لانشغالي في المنزل مع أمي وكانت دايتنا "طبيبتنا" تسمى "شيخة عبيد مطر" رحمها الله كانت تولد النساء وجميع أمهاتنا كن يولدن بالمنزل وتتداوى الأم المرضع بالرشوفة وهي عبارة عن شوربة توضع فيها الحبة الحمراء والفلفل والزعفران والسكر وذوابة البقر أي السمن .
أما عن الأكل فكان الأهالي يذهبون إلى البحر ليأتوا بالعوالة وأنواع الأسماك الأخرى ويوزعوها على الفريج بأكمله وكان البحر بعيداً نوعاً ما عن منطقتنا الصحراوية والتعاون بين الأهالي ليس بغريب .
وقال المهندس رشاد بوخش رئيس جمعية الحفاظ على التراث العمراني إن برج مزرع من الأبراج النادرة في الدولة من ناحية تشكيله الدائري الضخم إذ يقرب نصف قطره من 10 أمتار فيما يكون نصف قطر البرج العادي نصف ذلك ونتوقع أن يصل طوله إلى12 متراً إلا أن الباقي منه حاليا رغم مرور أكثر من 250 إلى 200 سنة دون ترميم حوالي 3 أمتار .
وأوضح أن استخدام الطين لبناء البرج يشير إلى عدة دلائل من أهمها أن المنطقة كانت سكنية لارتباط المناطق المأهولة بتلك الأبراج المصنوعة من الطين والتي غالباً ما تكون في المناطق الداخلية فيما يستخدم بصنع الأبراج عادة الحجر المرجاني أو الطين مخلوطاً مع الجص ومن المحتمل أن يكون برج مزرع اكبر برج في الدولة مصنوع من الطين بشكله الدائري .
وأشار إلى أن إمارة رأس الخيمة تعد من أكثر الإمارات التي توجد فيها الأبراج والقلاع إما للمراقبة أو الحماية وأن وجود برج بشكله الهندسي القديم يمتد عمره إلى أكثر من 150 عاما يعد من الثروات التاريخية والسياحية في الإمارة والدولة عامة .