سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر |
ويشير نحات الى شاهدين «هذان لزوجين في الـ50 من العمر، أوصيا بكتابة هذه الآية القرآنية، مع اسميهما، كل على شاهد، وبترك تاريخ الوفاة مفتوحاً».
كذلك يرينا النحات محيي الدين الحلبي شاهداً لأحد مشايخ دمشق البارزين، وقد جاء بنفسه وأشرف على تنفيذه، بل وجاء أيضا بأحد الخطاطين البارزين لكتابة كلماته. ويوضح الحلبي «لقد صممها وتركها أمانة لدي منذ اربعة أعوام»، مضيفاً «لعله يحسب أن أحداً لن يلتفت الى عمل كهذا بعد وفاته، فهيأها بنفسه».
وعن كلفة الشاهد يقول الحلبي «ذلك يتعلق بنوع الرخام، وبنوع الخط والخطاط»، ويوضح «تجد أن أحرف فلان من الخطاطين صارمة، وهي بالتالي صعبة الحفر». وعلى العموم فإن كلفة الشاهد «تراوح بين 600 ليرة سورية، أي ما يساوي 13دولاراً، و20 ألف ليرة، أي ما يعادل 400 دولار، كما في شاهد الشيخ».
وعما يكتبه الناس على شواهد قبورهم او قبور ذويهم، يقول الحلبي وهو يعمل في هذه الحرفة منذ 26 عاما، انه «يغلب اليوم على كتابة الشواهد الآيات القرآنية، ولم نعد نرى أبياتاً من الشعر كما في الماضي». واذا كانت الآيات المنقوشة تتكرر على الشواهد فإن النحات الحلبي يميز من بينها ما حفره بيديه على شاهد قبر الشاعر الراحل نزار قباني «إن إلى ربك الرجعى». ويقول الحلبي «على الرغم من أنها آية قرآنية، إلا أنه يصعب أن تجدها على شاهد آخر»، ويضيف «بعد ذلك استعرتها ونسختها لشاهدة قبر والدي، الذي بقيت أعمل في نحته عاماً كاملاً». وحين يدخل المرء الى المقبرة يميز على الفور بين قبور قديمة غلبت عليها الأشعار التي كتبها الأموات قبل أن يرحلوا، أو كتبها لهم الآخرون، وبين تلك الحديثة التي اكتفت بالآيات القرآنية.
فهنا قبر المجاهد فخري البارودي (توفي العام 1966) وقد كتب لنفسه «قفوا أيها الزوار قربي هنيهة/ وقولوا سلام أيها الميت الحر/ وطوفوا حيال القبر صحبي وفكروا/ بموت أكيد ثم يتبعه حشر/ تروا ان كأس الموت حق على الورى/ وكل له يوم وإن ألف العمر».
كما كتب على قبر شاب «قبر شاب في عمره ما تهنا/ خطفته أيدي المنية منا/ كان فينا مثل الهلال فلما/ صار بدراً بتمامه غاب عنا».
وسيجد المرء ان كثيرين من الأموات قد احتاطوا وكتبوا كلمات بأيديهم، حتى ان بعضها كتب بعامية مبسطة. ومن ابسط ما كتب على شواهد القبور، ما كتب على ضريح رئيس سوري سابق «ضريح المغفور له شكري القوتلي، توفي في 30 حزيران 1967». كذلك يلفت من بين القبور تلك التي لا تحمل تاريخ وفاة، وهي شواهد لأناس احياء ينتظرون موتهم، أو لعلهم يحجزون لهم قبراً حيث تعز الأمكنة في هذه المقبرة المكتظة بمدافن آل البيت، وشخصيات المشاهير والمجاهدين أمثال المجاهد حسن الخراط، أحد أبطال الثورة السورية، والعائلات الدمشقية العريقة، والشعراء والأدباء والسياسيين والفنانين.
قدماء سوق النحاتين يقولون ان هذه المهنة كانت للمسيحيين قديماً، كما يقول فراس التقي الذي توارث المهنة أباً عن جد، ويرى أن أموراً كثيرة تغيرت في المهنة «فلم يعد هناك مزاج ومعلمية وحرفية»، و«الأمور اليوم أسرع»، حيث «لا أحد يقدّر كما في الماضي». ويضيف «هناك شواهد قديمة لا يستطيع نحاتو اليوم أن يأتوا بمثلها». وعن العمل في مهنة لصيقة بالموت مثل هذه، وفي ما إذا كانت تجلب الشؤم، قال نحات «لسنا حفاري قبور في النهاية»، قبل ان يضيف «من المفيد على كل حال تذكر الموت».