سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر |
علة الأب النفسية حرمت أطفاله التسعة الحياة والتعليم وإثبات الهوية
أحاطت العزلة بتسعة أطفال طوال عقدين من الزمن، حُرموا خلالهما من أبسط مقومات الحياة، ورغم ذلك لا تزال الابتسامة على محياهم. إنه ظلم ذوي القربى الذي هو أشد على أبناء "المشنوي" من الحسام المهند؛ إذ لم تمكن العلل النفسية الأب من منح أطفاله هوية ونسباً لهذا الوطن؛ فقد ظلوا محرومين، لا يعرفون من الحياة سوى منزلهم المعزول عن الناس، ولا من جبال فيفا سوى ارتفاعها ومطرها وضبابها.
إنها حقيقة تسعة أطفال مؤلمة لواقع ليس به أي مقومات للحياة؛ فشرابهم من تجمعات مياه الأمطار في البرك، وطعامهم ما تجود به سخاء الأيدي، ومنزلهم (خربة) تطل على القصور والمنازل، ولكن بقيت صامدة لأجل حياتهم، لا كهرباء ولا ماء ولا أثاث ولا حتى مطبخ، ولا يجدون ما يمكن طهيه ليأكلوه، فهم يتمنون أن يكون الفقر رجلاً ليقتلوه، ويتخلصوا من تلك الحياة، في ظل غياب الشؤون الاجتماعية.
يهيمون نهاراً على وجوههم في الطرقات، وفوق المدرجات الزراعية بملابسهم الرثة، ينتظرون المارة أمام "البقالة" الوحيدة بالقرب من منزلهم؛ لعل أحد المتسوقين يتصدق عليهم بقطعة بسكوت أو علبة عصير، أو أي شيء يرسم البسمة على وجوههم.
تسعة من الأولاد والبنات لا يقرؤون أو يكتبون حرفاً؛ لأنهم لم يتم إلحاقهم بالمدارس. تستمر مأساة أطفال "الوشر" في التدهور يوماً بعد يوم مع غياب التكافل الاجتماعي، وتقصير الجمعيات الخيرية، والجهات المعنية بالمحافظة، وذلك نقلاً عن جيرانه.
والد التسعة المواطن محمد حسن المشنوي يعاني من حالة نفسية؛ ويعيش هو الآخر حياة البطالة والتشرد والفقر.. وقبل مدة وجيزة، وفي تطور خطير، وبسبب الحالة التي تعيشها الأسرة، زادت الخلافات بين المواطن وزوجته، حتى اضطرت الزوجة إلى مغادرة فيفا، والذهاب إلى أهلها في تبوك، بعد أن ضاقت من تلك الحياة.
يقول محمد حسن المشنوي "رب الأسرة": لا أجد مصاريف الذهاب إلى محافظات جازان لإضافة أبنائي في كارت العائلة؛ فأنا لا أملك قوت يومي، ولا أستطيع تحمل مصاريف المدارس التي تحتاج إلى ملابس جديدة ونظيفة، تطالبهم بها المدارس؛ ليظهروا بها بين زملائهم.
وأضاف: أفضّل أن يموتوا جوعاً بين ذراعي داخل بيتي ولا أتركهم يتضورون جوعاً وحرماناً وهم يشاهدون باقي الأطفال وزملاءهم في المدارس يتناولون فطورهم ويلبسون أفضل الملابس.
وقال المواطن يحيى جبران الفيفي "معلّم" من الوشر بفيفا: احتجاز الأطفال داخل المنزل دون ماء أو غذاء ينذر بحدوث كارثة إنسانية. ولم يُخفِ المواطن قلقه وخشيته على سلامة الأطفال، ومن حدوث مكروه لهم؛ بسبب حالة والدهم النفسية.
ويقول أحد الجيران: رب الأسرة لا يهتم بأوراقه الثبوتية ولا التعليم؛ والدليل على ذلك أن مديرة مدرسة الوشر – جزاها الله خيراً – قبلت بناته، وتكفلت بكسوتهن وغذائهن وكل المصاريف المتعلقة بالمدرسة، وقد حصل ذلك فعلاً، إلا أن الأب محمد حسن سحب بناته من هذه المدرسة.
وأردف قائلاً: أما بالنسبة لأبنائه فقد تكفل الشيخ أحمد علي بمصاريفهم، إلا أن رب الأسرة أبى. علماً بأن المواطنين متفاعلون معه، ويعانون معه إزاء الحالة التي يعايشونها، وأن معظم الأقارب منه نسباً ومكانةً حاولوا لمساعدته إلا أنه رفض ذلك.
وقال أحد المواطنين: "أحيطكم علماً بأن نائب الشيخ سابقاً قد ذهب إلى مركز الشرطة والإمارة وإلى حقوق الإنسان طلباً للمساعدة في أمر هذه الأسرة، وقد استدعته الجهات الرسمية، لكنه يخرج بالكفالة، ويَعِد بمعالجة وضعه، لكنه لا يفي بذلك؛ ربما لظروفه النفسية.
وتواصلت "سبق" مع محافظ فيفا محمد عبد الله الغزي، الذي أبدى أسفه الشديد حيال هذه الأسرة، وقال: الشؤون الاجتماعية تفاعلت معهم قبل 9 أشهر، ووجهت الضمان الاجتماعي في الداير بسرعة استئجار منزل للأسرة وتأثيثه وصرف مساعدة مالية عاجلة بمقدار 30 ألف ريال للأسرة، وضم جميع أفراد الأسرة للضمان الاجتماعي، وإلحاق الأبناء والبنات بالمدارس، إلا أن شيئاً من ذلك لم يتم تنفيذه؛ بسبب امتناع رب الأسرة عن قبول أي من هذه الخدمات.
وأضاف "الغزي": اجتمعتُ مع عدد من أهل الخير من أبناء قبيلة المشنوي، واطلعت على تفاصيل الحالة الإنسانية للمواطن محمد بن حسن المشنوي، التي تفاعلت معها وزارة الشؤون الاجتماعية؛ إذ التقى المحافظ "الغزي" الابن الأكبر للأسرة جابر محمد حسن المشنوي، البالغ من العمر (21 عاماً)، واعتمد توليه الإشراف على شؤون أسرته بإشراف ومتابعة من محافظ فيفا، ووجه "الغزي" بسرعة البحث عن منزل واستئجاره تمهيداً لانتقال الأسرة إليه، والبحث عن عمل للشاب جابر محمد المشنوي واستكمال قرارات وزارة الشؤون الاجتماعية كافة لمساعدة ورعاية أبناء أسرة المشنوي، إلا أن الأب كان عثرة في طريق تسعة أبناء مظلومين على يد أقرب الناس إليهم، هو والدهم.
وأردف "الغزي": يوجد طرق إجبارية كإدخاله مصحة نفسية، ولكن خوفنا على الأسرة بعد خروجه من المصحة أو هروبه يجعل الأمر يزداد سوءًا؛ ما قد يلحق الأذى بالأسرة كانتقام إزاء عصيانه، وقبول جميع الخدمات التي مُنحت لهم.
واختتم "الغزي" تصريحه إلى "سبق": أنا مستعد بإكمال إجراءاتهم بنفسي شريطة أن يتكفل أحد أقاربه أو جيرانه من المواطنين بحل القضية بشكل ودي مع رب الأسرة، ونعدهم بإعادة التوجيه بجميع الخدمات والمبالغ التي منحت لهم ورفضها رب الأسرة محمد حسن المشنوي سابقاً.