البيان – تحقيق ـ مصطفى خليفة
في خطوة لترسيخ ثقافة التدخين في المجتمع الإماراتي واعتباره شكلاً مقبولاً من الناحية الاجتماعية، قامت شركات التبغ في الدولة بحملة إعلانية موسعة لترويج وتسويق منتجاتها، شملت معظم مراكز التسوق ومحال البقالة ومنافذ البيع، ورصدت البيان في جولة لها نشر لوحات إعلانات صريحة ومباشرة للجمهور، في خطوة تعتبر مخالفة لقوانين وتشريعات الدولة التي تحظر الإعلان أو الترويج أو الرعاية لأي من منتجات التبغ بأية وسيلة تستهـدف التشجيع على تعاطيه.
وركزت شركات التبغ في إعلاناتها على التضليل والتحايل، من خلال استغلال ثقافة وتراث أبناء الإمارات المرتبطين بالصيد والقنص وحب المغامرة، فنثرت مئات اللوحات الدعائية الجذابة في منافذ البيع، ووضعت عليها صورة لشاب مواطن يحمل صقر الشاهين، وقد كتب على اللوحة عبارات بالغة العربية: «نفس النكهة بعلبة جديدة»، والإنجليزية «لمن يمتلكون اللعبة.. للقناصين»، إضافة إلى كلمات دعائية إلكترونية تمر أمام أنظار المتسوقين، وكلها تشجع على التدخين.
ولا شك أن تلك الأنشطة تؤثر كثيراً في الشباب، وكذلك طريقة تغليف منتج التبغ وتصميمه التي تجعل المنتج أكثر جاذبية لدى المستهلكين، ومن خلال الترويج لهوية العلامة التجارية من خلال استخدام الشعارات والألوان والخطوط المعينة والأشكال، وغيرها من السمات المميزة الأخرى التي تجتذب الأطفال والمراهقين والشباب.
حظر قانوني
ويحظر قانون مكافحة التبغ رقم (15) لسنة 2024 الذي صدر بالجريدة الرسمية وأصبح معمولاً به اعتباراً من فبراير عام 2024 في مادته الرابعة «على أي شخص طبيعي أو معنـوي الدعاية أو الإعـلان أو الترويـج أو الرعاية لأي مـن منتجات التبغ بأية وسيلة تستهـدف التشجيع على تعاطي التبغ.
كمـا لا يجـوز طبـع أو نشر الإعلان الـذي يستهـدف التشجيع على تعاطي التبغ، ولا يجـوز أن تكون منتجات التبغ وسيلة للإعلان عن منتج آخــر، وتصل عقوبة هذه المخالفة إلى غرامة لا تقل عن مئة ألف درهم، ولا تتجاوز مليون درهــم، وتتضاعف هذه العقــوبة فـي حالة تكرار المخالفة وفق المادة (14) من القانون».
وتعتزم دائرة التنمية الاقتصادية وإدارة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد، باعتبارها الجهة المسؤولة، اتخاذ الإجراءات القانونية الكفيلة بإزالة جميع هذه اللوحات الإعلانية، ومحاسبة الشركات التي نفذّتها، حفاظاً على صحة المجتمع وحماية للأطفال والشباب من التعرض لإغراءات إعلانات التبغ وفق القانون.
إعلانات غير مباشرة
وأكدت الدكتورة وداد الميدور، استشارية طب الأسرة، مديرة البرنامج الوطني لمكافحة التبغ في وزارة الصحة، أن دولة الإمارات، بفضل توجيهات وتشجيع القيادة الرشيدة، قطعت أشواطاً كبيرة في طريق مكافحة التبغ، وحققت إنجازات كبيرة في هذا المجال.
وحازت إعجاب المنظمات الدولية المعنية، ومن بينها منظمة الصحة العالمية، لافتة إلى أن جهود الدولة أسفرت عن منع جميع أشكال إعلانات التبغ المباشرة، فلا يوجد على سبيل المثال أي إعلانات أو دعايات للتبغ في وسائل الإعلام المرئية أو المسموعة أو المقروءة منذ سنوات، وكذلك تم القضاء على إعلانات الشوارع والطرق.
أما الإعلانات داخل مراكز التسوق والمحال التجارية التي تصنف على أنها إعلانات غير مباشرة فهي من شأن الدوائر الاقتصادية، ونحن في وزارة الصحة عقدنا اجتماعاً موسعاً في نهاية ديسمبر الماضي مع ممثلي الدوائر الاقتصادية والبلديات على مستوى الدولة، وتمت مناقشة قضية مثل هذه الإعلانات وخرج الاجتماع بنتائج جيدة.
وأشارت إلى أن وزارة الصحة سلكت طريقاً آخر للحد من تلك الإعلانات المضللة للتبغ، إذ تسعى بالتعاون مع المجلس الوطني للإعلام لإيجاد آلية لمنع هذه الدعايات من مراكز التسوق والمحال التجارية ومنافذ البيع، مشيرة إلى أن هذه المشكلة سوف تختفي تدريجياً وبصورة نهائية قريباً.
وكان المؤتمر الدولي «التبغ أو الصحة2020» الذي استضافته العاصمة أبوظبي خلال الفترة من 17 ـ 21 مارس الجاري، قد ناقش في إحدى جلساته أن العديد من شركات التبغ العاملة في الدولة لا تزال تمارس الإعلان والدعاية المضللة عن منتجاتها بطرق التحايل والالتفاف على القانون، وخصصت المؤتمر الدولي لمكافحة التبغ وتعزيز الصحة في أبوظبي عدة جلسات لمناقشة قوة قوانين الدولة وتشريعاتها مقابل استراتيجيات وخطط شركات التبغ في التوسع والانتشار.
الأمراض المزمنة
من جانبها، أكدت الدكتورة شرينة خميس المزروعي، رئيسة قسم أمراض القلب والأوعية الدموية في دائرة الصحة العامة والأبحاث بهيئة الصحة ـ أبوظبي، أن مثل هذه الإعلانات التي تخالف القانون الاتحادي بشأن مكافحة التبغ في الدولة مخالفة صارخة تقوّض جهود الدولة عموماً في مكافحة التبغ، وتنسف خططها الرامية إلى التقليل والحد من أعداد المدخنين، وخفض الأمراض المزمنة الناتجة عن التدخين بكل أشكاله وأنواعه.
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر |
ودعت الدكتور شرينة الدوائر الاقتصادية والبلديات في أبوظبي والدولة عموماً إلى إزالة جميع صور الإعلانات والدعايات المضللة الداعية إلى إغراء الشباب والمراهقين لتعاطي التبغ ومحاسبة الشركات المسؤولة عنها وفق القانون، مشيرة إلى أن أطلس التبغ العالمي الذي أطلق يوم الأربعاء الماضي من أبوظبي نشر بيانات صادمة عن واقع الأمراض والوفيات في الدولة.
وأشارت إلى التقرير السنوي لهيئة الصحة الأخير الذي سجل عدد ونسب الوفيات الناجمة من أمراض الجهاز الدوري، بما فيها أمراض القلب التي وصلت إلى 36.7% بواقع ألف و107 وفيات من بين جميع حالات الوفيات المسجلة في الإمارة (3015 وفاة)، كما أن أمراض السرطان تسببت بدورها في وفاة 388 بنسبة 12.9% من جميع الوفيات في الإمارة.
واقع التبغ بالدولة
يشار إلى أن أطلس التبغ العالمي أكد أن نسبة التدخين بين الذكور في الدولة وصلت إلى 18.1% بواقع مليون و55 ألف مدخن في عام 2024، بينما بلغت نسبة الإناث المدخنات في الدولة 2.5% بواقع 52 ألف مدخنة، كما أشار إلى أن نسبة انتشار التدخين بين الصغار في الإمارات وصلت عام 2024 إلى 15.6% بواقع 12 ألفاً و200 طفل، بينما بلغت نسبة الفتيات المدخنات 5.8% بواقع 4 آلاف و400 فتاة.
ولفت إلى أن الإمارات تطبق سياسة وطنية بشأن مناطق خالية من التدخين في 3 منشآت من أصل 9 منشآت، وتتضمن منشآت الرعاية الصحية، والمنشآت التعليمية، والجامعات، وأوضح أن نسبة التقييم الذاتي لامتثال الدولة لحظر إعلانات التدخين بلغت 40%، إذ حظرت 6 إعلانات غير مباشرة من أصل 7 إعلانات، بينما حظرت إعلاناً مباشراً واحداً للتدخين من أصل 7 إعلانات يجب حظرها.
التعرض لإعلانات مضللة
الدكتور نيل شولجر، المسؤول العلمي لمؤسسة الرئة العالمية، رئيس شعبة أمراض الرئة والحساسية والعناية المركز في جامعة كولومبيا، المشارك في مؤتمر التبغ أو الصحة2020 في أبوظبي، يؤكد أن شركات التبغ تزعم علناً أنها تسوّق لمنتجاتها للتأثير في سلوك المدخنين البالغين الحاليين فقط، وليس لاجتذاب الشباب الصغير أو غير المدخنين.
إلا أن الدراسات والأبحاث أكدت بما لا يدع مجالاً للشك أن التسويق للتبغ والترويج له يسهمان بشكل جوهري في سلوك التدخين لدى الشباب والمراهقين، كما أكدت أن ثلث تجربة الشباب للتدخين ينشأ نتيجة للتعرض لإعلانات التبغ والترويج له ورعايته، وأن 78% من الشباب الذين تراوح أعمارهم بين 13 و15 عاماً أفادوا بأنهم يتعرضون بشكل منتظم لحملات تسويق التبغ في أنحاء العالم كافة.
وأشار إلى أن من بين التقنيات المستخدمة الإعلانات عند منافذ البيع، والبدلات التي تدفع لتجار التجزئة لوضع المنتج في مكان بارز، مشيراً إلى أنه إلى جانب التسويق المباشر لمنتجات التبغ يتم غرس فكرة التدخين عبر الثقافة المعاصرة، ثم التأثير سلباً في سلوك المراهقين والشباب.