أحلام وطموحات عديدة لا سقف لها في جعبة المواطن الشاب “عبد العزيز الشحي” من فئة ذوي الاحتياجات الخاصة، لم تفلح الإعاقة الجسدية في تحجيمه أو الحيلولة دون وصوله إلى أهدافه بسلام حتى تمكن من أن يصبح كما عرف واشتهر أقصر شرطي في العالم، حيث يعمل حاليا ويؤدي مهام ومسؤوليات وظيفته المنوطة به على أكمل وجه وبحماس ودأب رغم الإعاقة والقصر الشديد في القامة.
“وإذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجسام”
فقاهر الإعاقة عبدالعزيز الشحي يضع بيت “المتنبي” نصب عينيه ويحوله إلى شعار يعمل على تطبيقه في حياته.
يشكل عبد العزيز الشحي بحد ذاته قصة تختصر سيرة من الإصرار والعزيمة حيث رفض الاستسلام للإعاقة أو الإذعان لها، وهو ما توج بتعيينه من قبل وزارة الداخلية خلال الأعوام القليلة الماضية في نطاق مركز شرطة المعمورة برأس الخيمة في وظيفة كاتب بمركز شرطة المعمورة التابع للإدارة العامة لشرطة رأس الخيمة بعد سنوات طويلة قضاها بين مراكز رعاية وتأهيل وتشغيل ذوي الاحتياجات الخاصة في الدولة.
“الشحي” قاهر الإعاقة لا يكاد يتمكن من الوصول إلى موضع جرس الباب في مسكن أسرته الذي يقطنه في إحدى ضواحي مدينة رأس الخيمة كما يواجه صعوبة وعناء واضحين في ركوب السيارة، إلا أن الشاب الإماراتي البالغ القصر يملك رصيدا زاخرا من التحدي والعزيمة دفعه إلى ترويض الإعاقة بنجاح بعد أن لازمته منذ طفولته والتي تشخص طبيا باعتبارها ضعفا في النمو لكنه استطاع القفز فوق كل تلك المعوقات ليصبح أقصر شرطي في العالم.
قصة أقصر شرطي في العالم من أبناء إمارة رأس الخيمة حافلة بالمشاهد والمنعطفات المثيرة ف “الشحي” قد يكون كذلك من أصغر رجال الشرطة في العالم سنا إذ لا يتجاوز عمره الحادية والعشرين، بات حالة نادرة في ترجمة الحلم وتحويله إلى حقيقة على أرض الواقع بالحصول على وظيفة يتحول عبرها إلى عضو فاعل ومنتج في المجتمع.
طريق قاهر الإعاقة لم يكن مفروشا بالورود إذ نجح في تخطي العديد من العراقيل والعقبات التي اعتبرها مصطنعة ووهمية وفي مقدمتها موقف المدرسة الابتدائية التي شاءت عزيمته أن يبدأ منها أولى درجات السلم التعليمي وخطوة أولى في طريق الألف ميل أسوة بأقرانه الأسوياء، لكنه اصطدم بموقف المدرسة الجارح لكرامته، حيث رفضت إدارة المدرسة حينها التحاقه بها بحجة قصر قامته ما شكل صدمة حادة ومبكرة للطفل المتحفز واستطاع تحويلها إلى عزيمة لا تلين وشرارة أولى في قصة نجاح فريدة من نوعها.
“الشحي” نجح، كما يروي قصته، في إقناع أسرته بالتحاقه بمركز تأهيل وتشغيل ذوي الاحتياجات الخاصة التابع لوزارة الداخلية حيث رفضت الأسرة الحانية على نجلها الفكرة خوفا على سلامته خاصة أن ذلك يستدعي بعده عن الأهل ومنزله في مدينة رأس الخيمة إذ يقع المركز في مدينة العين البعيدة وهي واحدة من العقبات التي تخطاها بإصرار ليتخرج حينها في المركز بنجاح ويخضع بين أروقة المركز ذاته في وقت لاحق للتأهيل والتدريب على أعمال ومهام “السكرتارية” وحفظ الملفات إلى جانب تدريب متخصص في اللياقة البدنية وفن التعامل مع الآخرين وأفراد المجتمع حيث اعتبر التحاقه بالمركز خطوة واسعة في مسيرته وحياته العملية قطع بها شوطا بعيدا من الطموح مهد أمامه الطريق لشغل الوظيفة التي طالما داعبت أحلامه في مركز شرطة المعمورة التابع للإدارة العامة لشرطة رأس الخيمة.
الشاب القصير بقامته العظيم بعزيمته والذي قد يكون أقصر مواطن إماراتي لم يرضخ لمفاهيم الهزيمة أو يسلم بمعطيات الواقع كما يضيف بعد حادثة رفضه من قبل إدارة المدرسة، حيث واصل بإصرار رحلة البحث عن حلمه ليتحول إلى إنسان فاعل ومنتج وهو ما وجده ماثلا فعلا في رحاب مركز رأس الخيمة لرعاية وتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة حيث كانت انطلاقته المبكرة في عالم الرعاية وإعادة التأهيل والدراسة ليحظى بدوره الطبيعي الذي طالما راوده وهو ما شكل الأسس القوية في رحلته نحو النجاح والحلم بخطى راسخة قبل أن يولي وجهه صوب قبلة أخرى هي المركز التابع للداخلية الإماراتية في مدينة العين.
عبد العزيز الشحي يؤكد أن جميع أفراد أسرته من الأسوياء كما هي حال والديه فطولهما طبيعي في حين يعد هو أصغر أشقائه التسعة الذين لا يعاني منهم أحد سواه من قصر القامة وضعف النمو إلا أن ذلك لا يحد من حجم ذكائه وقدراته الذهنية والفكرية اللافتة ولا يعرقل طموحاته العريضة حيث يواصل حلمه الذي لا ينفد على مقاعد الدراسة في أحد مراكز التعليم المسائي الخاص بالكبار والتابع لوزارة التربية والتعليم برأس الخيمة، فيما ينظر إلى دخول الجامعة ومواصلة دراساته الجامعية والعليا وتحديدا في تخصص “العلوم” على أنه أحد أجمل ما تبقى في جعبته من أحلام وردية بعد أن نال حلم الحصول على وظيفة مناسبة في السلك الشرطي وتأمين دخل ثابت كانسان منتج لا عالة على أحد حتى لو كان أقرب الناس.
ويلفت عبد العزيز إلى أنه لم ينحن يوما لنظرات الشفقة أو السخرية التي كانت تطوقه في بعض المواقف والمناسبات الاجتماعية بل اجتهد بعزيمة وإصرار لإثبات نفسه وبناء شخصيته بلا كلل أو ملل حتى تحول إلى شعلة نشاط وحيوية في مناسبات عامة شارك فيها بفعالية أدهشت من حوله من الأسوياء فيما يدين بالفضل لأسرته التي وقفت دوما خلفه وشجعته وشدت من أزره في مواقف عصيبة من محطات مسيرته المتعاقبة.
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر |
ولا يغفل عبد العزيز الشحي فضل مجتمع التكافل والتعاضد وبيئته الاجتماعية ما سهل مهمته وجنبه أي عقبات أو عراقيل اجتماعية تذكر كمعاق رغم موقف المدرسة الرافض لالتحاقه بها، في حين يلفت قصر قامته الشديد إليه الأنظار وعيون الفضوليين من حوله فيما ترتسم علامات الدهشة والإعجاب في عيون آخرين من قدرته على أداء مهام الوظيفة والعمل كما لا يغفل يد العون والمساعدة التي امتدت إليه من عدد من الجهات والمؤسسات الرسمية خلال مسيرته ما ساعده أكثر على قهر الإعاقة وتذليل الصعاب.
الشرطي الأقصر في العالم إنجاز يستحق عليه “عبد العزيز” التقدير والثناء والتكريم إلى جانب عدة جهات ومؤسسات في الدولة أسهمت في تأهيله ودعمه في مقدمتها وزارة الداخلية التي تخرج في أحد مراكزها المتخصصة في تأهيل وتشغيل ذوي الاحتياجات الخاصة قبل بضعة أعوام ليصبح أقصر شرطي في العالم.
يحمل عبد العزيز، كما يقول، الشعور بالفضل لوالديه وأشقائه في بلوغ ما وصل إليه اليوم عبر مراحل متعاقبة من حياته رغم قسوتها خاصة حين عقد العزم على صعود السلم التعليمي وواجهه رفض المدرسة الالتحاق بها بداعي قصر القامة فيما نجح في العثور على البديل المناسب في المراكز المتخصصة لتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة والتابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية.
يقول عبد العزيز إن التحول النوعي في حياته بدأ عندما نجح في إقناع والديه وأسرته بالالتحاق بالمركز التابع لوزارة الداخلية لرعاية وتشغيل ذوي الاحتياجات الخاصة في مدينة العين بعد أن عارضوا ذلك في البداية. كما خضع عبد العزيز الشحي لتدريب متخصص في مركز العين التابع لوزارة الداخلية للإمساك بزمام الوظيفة والعمل في مجال صعب خاصة مع شخص بظروفه الصحية والبدنية.
بالتوفييييج .،
{ تسلم الأيآآدي }