فاطمة الكحيلي
سأل أحد الصحابة الفضلاء رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم سؤالاً يدل على مكنونات قلب ذلك الصحابي
فقال: يا رسول الله أين مكاني من الله؟
سؤال من أعظم الأسئلة علماً وفقهاً ،إيماناً وحباً .
فما الذي يشغل بال ذلك الصحابي ؟
وما الذي يجول في خاطره ؟
وما الهم الذي وخز صدره ؟
وما الغاية التي يرنو للوصول إليها ؟
إنها حرصه على أن يعرف منزلته ومكانته عند ربه خالقِهِ ورازقِهِ ، من يدبر أموره ،ويُصِّرف أحواله ، من يعلم سرهُ وعلانيته ،معرفةُ تكون في الدنيا قبل الآخرة ، حتى يطمئن قلبه ، وتهدأ نفسه ،وتكون الصلة بينه وبين ربه قائمة لا يقطعها قاطع من قُطَّاع الطرق الواقفين على أطرافها يحولون بين الناس وبين ربهم ، فيزينون الطرق بالمعاصي من الشهوات والشبهات، والخطرات والخطوات،فلا يدعون صارفاً إلا وضعوه في الطريق إلى الله تعالى.
فتأتي الإجابة النبوية التي تضع منهج للبناء الإيماني ، وتؤسس قاعدة يثبت عليها البناء.
فقال صلى الله عليه وسلم: ( مِنَ أَرَادَ أَنْ يَعْلَمَ مَالُهُ عِنْدَ الْلَّهِ فَلْيُنْظَرْ مَا لِلَّهِ عِنْدَهُ ) قال الشيخ الألباني: ( حسن ) انظر حديث رقم : 6006 في صحيح الجامع ،وهو مروي عند الدار قطني عن الصحابة أنس وأبو هريرة وسمرة بن جندب رضي الله عنهم أجمعين. وعن سمرة بن جندب قال:" مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَعْلَمَ مَا لَهُ عِنْدَ الْلَّهِ فَلْيُنْظَرْ مَا لِلَّهِ عِنْدَهُ ،وَمَنْ سَرَّهُ أَنْ يَعْلَمَ مَكَانٍ الْشَّيْطَانَ مِنْهُ فَلْيَنَظَرِهُ عِنْدَ عَمَلٍ الْسِّرِّ "الزهد لابن المبارك باب:التواضع 1/.291
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر |
وعَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ :"مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَعْلَمَ مَا لَهُ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ؛ فَلْيَعْلَمْ مَا لِلَّهِ عِنْدَهُ ؛ فَإِنَّهُ قَادِمٌ عَلَى مَا قَدَّمَ لا مَحَالَةَ"
إن العلاقة بين العبد وربه مبنية على التواصل لا الانقطاع ، على الاستمرار لا التوقف ، على العطاء لا المنع ، فلا يستقيم أن يكون المسلم والمسلمة على المعاصي فاعلين ويظنوا أن صلتهم بربهم حسنة ، يمنعون أنفسهم من فعل الخيرات والمبادرة بالصالحات ويظنوا أن الله يعطيهم وهم يمنعون ، والعبد هو أول من يعرف مكانته عند ربه ،فلا يحتاج إلى من يرشده ويدله .
وجاء الهدي النبوي ليعلمنا أن من أراد القربى فليتقرب ، ومن أراد المحبة فليحب.
قال تعالى يصف حال أناس لا يريدون القربى فضلا عن معرفة مكانهم عند ربهم قال تعالى: ( وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) سورة الزمر:45.
وقوله تعالى: (قَالَ يَقَوْمِ أَرَهْطِيَ أَعَزّ عَلَيْكُم مّنَ اللّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا ) سورة هود:92. عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى قَالَ:" لَمْ تُرَاقِبُوهُ فِي شَيْءٍ ، إِنَّمَا تُرَاقِبُونَ قَوْمِي, وَاتَّخَذْتُمُ اللَّهَ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا لا تَخَافُونَهُ " .
أيها الإنسان عامةً والمسلم خاصةً أنت من تختار ،أنت من تحدد معالم حياتك ، أنت ترسم خطوط حظك على صفحات الحياة الدنيا
فأيهما تختار: القرب أم البعد ، الصلة أم الانقطاع ، العطاء أم المنع.
قال تعالى : ( ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون )سورة الحشر: