ذات يوم وأنا أقوم بفك شيء ما علق في مروحة محرك القارب وهو في البحر، قام الفتى المساعد بتشغيل المحرك قبل أن أنتهي فجزت المروحة كعب قدمي وظل متعلقا بجزء يسير من الجلد، تحاملت على نفسي وخرجت من تحت القارب بصعوبة والدماء تملأ مساحة من مياه البحر أحاطت بالقارب، أسعفت فورا ونقلت إلى المشفى.
ولكن كان الجرح عميقا جدا فالتهب نظرا لاحتواء المروحة على الزيوت العازلة للماء، بقيت في المستشفى بضعة أيام والجرح لا يتحسن بل أخذ يميل إلى السواد عندها عاجلني الطبيب بقرار فوري وهو ضرورة بتر الجزء الملتهب لكونه أصيب بالغرغرينا ولابد من البتر حالا ومن دون تأخير. لا أنكر أنني خشيت جدا من العملية بحد ذاتها، وفكرت بأسرتي التي أعيلها وحدي وخاصة أن لدي زوجة وأطفال صغار إلى جانب ذلك أيضا، كنت مترددا جدا في الموافقة بينما الطبيب يصر على البتر الفوري لئلا يضطر لبتر جزء اكبر.
وهكذا بقيت ليلة مأساوية بين التضحية بجزء من قليل من جسدي اليوم وبين التضحية بأكثر في اليوم التالي، نظرا لسرعة انتشار الغرغرينا بمجرد أن تصيب العضو، وبينما كنت في هواجسي وآلامي وإذ بصديق يقدم لزيارتي وقد سمع بالحادثة، وحين اقترب مني أدرك حجم الالتهاب فقد بدأت تنبعث من الجرح رائحة نتنة.
لم يتردد صديقي من النظر إلى الجرح وقد صدمه المنظر، لكنه تأملني لبرهة من الزمن، وأنا أخبره بقرار الطبيب ببتر ساقي وبرفضي لهذا القرار علما أني أصبحت تحت ضغط النتيجة منذ الآن. وجدته يقول لي لك عندي دواء لكن لا يحتمله إلا الرجال فهل ستحتمله ولعله يبقي عليك قدمك، قلت ما هو؟
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر |
فانا لا أريد أن أبقى عاجزا جراء مغامرة قد لا تكون محسوبة، فنصحني بسحق بضعة فصوص من الثوم الجبلي ووضعه في الجرح. ولم أكد اصدق هذه الوصفة ومن فوري تسللت خارجا من المستشفى إلى البيت وطلبت من الوالدة والزوجة تحضير الثوم كما وصف لي ذلك الرجل.
ولكونه قد أوضح لي كم الألم الذي سأكابده فقد قمت بربط نفسي وتكميم فمي لكي لا أتراجع، ولكي لا تشفق علي أمي وزوجتي فيما لو تألمت. وقمن بحشو الجرح بمعجون الثوم وكان الجحيم بعينه، ويشهد الله لولا أني كممت فمي لعم صياحي الأحياء. كان حريقا لا يوصف وألما لا يحتمل لكني وددت أن اثبت رجولتي من جهة وأجنب قدمي البتر، وفعلا من الله علي بالشفاء والتأم الجرح وزال التهاب الغرغرينا بفضل الله تعالى وبسبب الثوم.