سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر |
أنواعه المختلفة تؤدي وظائف ومهمات مختلفة
وفي أبسط رواية حول عمل الكولسترول العالي الكثافة HDL أو الثقيل (الكولسترول الحميد)، فإنه يكافح الكولسترول المنخفض الكثافة، أو المسمى الخفيف LDL (الكولسترول الضار).
ومثله، مثل الفرسان المدججين بدروع زاهية، يقوم الكولسترول الحميد HDL، أو بالأحرى تقوم جزيئاته، بدوريات في الأوعية الدموية لاصطياد الكولسترول وسحبه من جزيئات الكولسترول الضار LDL التي تدور في تلك الأوعية أيضا، وكذلك اصطياده من الترسبات الخطيرة التي تتراكم فوق جدران الأوعية.
ويقوم فرسان الكولسترول الحميد هؤلاء بحمل هذه الشحنات من الدهون الضارة إلى الكبد لإعادة تدويرها أو التخلص منها.
الرواية الحقيقية ليست بهذه البساطة. فالكولسترول HDL هو في الواقع مركب أكثر تعقيدا مما كان يعتقد في السابق. فبدلا من وجود دقائق من نوع واحد في الكولسترول الحميد فإنه يحتوي على عدة أنواع منها.
ورغم أنها كلها تحتوي على الدهون (اللبيدات) lipids، والكولسترول، والبروتينات المسماة «أبوليبروتينات» apolipoproteins (التي تتحد مع الدهون)، فإن البعض من أنواع هذا الكولسترول الحميد تكون ذات أشكال كروية فيما تكون الأخرى على شكل أقراص مدورة، وفيما تكون بعض أنواع الكولسترول الحميد ممتازة في عملها لانتزاع الكولسترول من أجزاء الكولسترول الضار ومن جدران الأوعية، فإن أنواعا أخرى تبدو غير مبالية بوجود ذلك الكولسترول، والبعض الثالث منها قد يقوم بتحويل الكولسترول باتجاه سيئ – إلى كولسترول LDL الضار، وإلى خلايا الجسم.
والبعض الرابع يحمي الكولسترول LDL الضار من أي تغير كيميائي بسبب تعرضه للأكسجين، وهو التغير الذي يؤدي إلى حدوث أضرار فادحة بجدران الأوعية الدموية. ولكن في بعض الظروف قد يحدث العكس تماما.
وتقوم الأنواع المختلفة من الكولسترول HDL الحميد بتخفيف الالتهابات في جدران الأوعية، محفزة على إنتاج أكسيد النتريك، وهو المركب الذي يساعد على ارتخاء جدران الأوعية، ويقي من تكون خثرات الدم داخل الشرايين.
إن هذا التنوع في وظائف الكولسترول الحميد، والدلائل المثيرة للالتباس على فوائد زيادة مستوياته، تسلط الأضواء باستمرار على ضرورة خفض مستوى الكولسترول LDL الضار، بوصفه الخط الأول للدفاع في معركة مكافحة أمراض القلب. ومع ذلك، فإن فكرة زيادة مستوى الكولسترول الحميد عندما يكون مستواه منخفضا، هي فكرة جيدة. وكل قيمة تقل عن 40 ملغم/دل (40 ملغم لكل ديسيلتر) في الدم، تمثل مستوى قليلا للكولسترول HDL الحميد.
* انخفاض الكولسترول الحميد
* لماذا يقل مستوى الكولسترول HDL الحميد؟ هناك الكثير من الأسباب لأن يكون مستواه قليلا لدى بعض الأشخاص، أو عاليا لدى أشخاص آخرين. وتلعب الجينات دورها بالتأكيد في تحديد إمكانات الجسم على صنع كميات من الكولسترول الحميد، وتحديد نسب مختلف أنواعه.
كما يؤثر نمط الحياة على مستويات الكولسترول HDL. والتدخين والبدانة، وعدم ممارسة التمارين الرياضية، كلها تبدو أنها تقلل من مستوى HDL. كما يؤدي إلى انخفاض مستواه، النظام الغذائي الغني بالكربوهيدرات المصفاة (الخبز الأبيض، السكريات.. إلخ). وينخفض مستوى الكولسترول HDL أيضا نتيجة تناول أدوية حاصرات بيتا، الستيرويدات الابتنائية (لبناء الجسم)، البروجستين، وأدوية «بنزوديازيبين».
* أدوية زيادة الكولسترول الحميد
* هناك نوعان من الأدوية التي استخدمت تقليديا لزيادة مستوى الكولسترول HDL، وهما: «نياسين» niacin المعروف أيضا بأنه فيتامين «بي – 3»، وأدوية الفيبرات fibrates مثل «جيمفبروزيل» gemfibrozil(«لوبيد» Lopid، والدواء بالاسم الأصلي) و«فينوفبرايت» fenofibrate («ترايكور» TriCor، والدواء بالاسم الأصلي).
ويزيد «نياسين» من مستوى الكولسترول HDL الحميد بمعدل 7 ملغم/دل، ويقلل عادة من مستوى الكولسترول LDL الضار ومن مستوى الشحوم الثلاثية أيضا. إلا أن غالبية الأشخاص الذين يتناولون «نياسين» يعانون من الهبات الساخنة، والشعور غير المريح بحرارة، والحكة، والوخز في الجلد. وقد تظهر آثار جانبية أخرى منها مشكلات في الجهاز الهضمي، والعضلات، والكبد.
أما أدوية «الفيبرات» فتزيد مستوى الكولسترول HDL بنحو 4 ملغم/دل، وهي تقلل أيضا مستوى الكولسترول LDL والشحوم الثلاثية. إلا أن الآثار الجانبية التي تظهر لدى واحد من كل ثلاثة أشخاص يتناولونها، هي اضطراب في المعدة، والغازات، والإسهال، أو الطفح الجلدي. وتشمل الآثار الأقل ظهورا، حدوث مشكلات في الكبد وتضرر العضلات.
وقد أظهر عدد من الدراسات التي أجريت خلال العقود الكثيرة الماضية أن تأثير هذين النوعين من الأدوية قد أدى إلى تقليل عدد النوبات القلبية والسكتات الدماغية، وازدياد فرص النجاة منها. ولكن عددا من التجارب أظهر أن الأدوية لم تقدر إلا على تأثير ضئيل على أمراض القلب والأوعية الدموية.
وقد دعت هذه النتائج المثيرة للالتباس عددا من الخبراء إلى طرح تساؤلات حول الأعباء الجسدية والتكاليف المالية لتناول «نياسين» أو أدوية «الفيبرات»، مقابل فوائدها الضئيلة.
كما صمم دواء اسمه «تورسيترابيب» torcetrapib خصيصا لزيادة مستوى الكولسترول HDL الحميد، وذلك بمنعه تحويل بروتين يسمى cholesteryl ester transfer protein أو (CETP). الذي يقوم بدوره في عملية تحويل الكولسترول، بين مركبات الكولسترول LDL، ومركبات الكولسترول HDL.
ولكن تجربة إكلينيكية كبرى أطلق عليها اسم ILLUMINATE، أفادت عام 2024 بأن دواء «تورسيترابيب» قد أخفق، فرغم أنه زاد من مستوى HDL بنسبة 60 في المائة فإنه لم يحقق أي خفض في تصلب الشرايين لدى المتطوعين الذين تناولوه، مقارنة بالمتطوعين الآخرين الذين تناولوا الحبوب الوهمية.
كما أن الذين تناولوا هذا الدواء عانوا من زيادة صغيرة في ضغط الدم، ومن حالات أكثر لعجز القلب، وخضعوا لعدد أكثر من عمليات جراحة القلب لفتح شريان مسدود أو فتح مجاز جديد لمرور الدم. وقد تم إيقاف التجربة مبكرا خوفا على سلامة المشاركين فيها، بعد أن ظهر أن المتطوعين الذين تناولوا الحبوب الوهمية كانوا أفضل حالا من الذين تناولوا دواء «تورسيترابيب»! وقد دمرت هذه التجربة حظوظ «تورسيترابيب» للتحول إلى عقار مدهش، كما كانت ترغب شركة «فايزر» المنتجة له، وطرحت تساؤلات حول صحة استراتيجية وقف عمل البروتينات CETP.
كما أن بعض الخبراء بدأوا يتساءلون عن صحة استراتيجيات زيادة مستويات HDL من دون الاهتمام بقوة بتركيب ووظيفة الأنواع الجديدة من أجزاء HDL التي ساعد الدواء على توليدها.
ما العمل؟
إن الإرشادات الخاصة بالكولسترول تركز على ضرورة خفض مستويات الكولسترول LDL الضار أولا. ثم وبعد ذلك يأتي دور زيادة مستوى الكولسترول HDL الحميد. وهذا يعني أن المستوى المرتفع للكولسترول HDL لا يلغي دور المستوى المرتفع للكولسترول LDL، عندما يتعلق الأمر بضرورة تغيير نمط الحياة أو تناول الأدوية. وبدلا من ذلك فإن علاج HDL يجب أن يكون في المرتبة الثانية بعد علاج LDL.
ومع ما ذكرناه، فإن من الحصافة التوجه بكل مجهوداتك لتعزيز مستوى الكولسترول HDL الحميد، وخصوصا إن كانت قيمة مستواه تقل عن 40 ملغم/دل. والتغيير في نمط الحياة هو أولى الخطوات، ما دام هذا التغيير يوفر ظروفا رائعة لعمل القلب والعظام والعضلات والحالة النفسية، إضافة إلى عدم ضرره.
* تغيير نمط الحياة يسهم في تعزيز مستوى الكولسترول الحميد
* تغييرات نمط الحياة تشمل ما يلي:
* ممارسة التمارين الرياضية. والتمارين الشديدة هي الأفضل لتعزيز مستوى HDL. ومع ذلك فإن أي نوع من التمارين سيكون مفيدا.
* إنقاص الوزن. إن كنت بدينا فإن خفض الوزن بنسبة تتراوح بين 5 و10 في المائة من وزنك، يزيد من مستوى HDL، إضافة إلى تقليله للضغط الدم ولسكر الدم.
* تجنب الدهون المتحولة. وهذه الدهون المصنّعة التي توجد في المرغرين، والكثير من المخبوزات والمأكولات السريعة المقلاة – تقلل من الكولسترول HDL. ويؤدي تجنبها إلى تحسين مستويات كل من HDL، وLDL.
* تقليل تناول الكربوهيدرات المصفاة. التحول إلى تناول الحبوب الكاملة وزيادة إضافة البروتينات الأخف إلى الغذاء، يزيدان مستوى HDL.
* الامتناع عن التدخين والكحول. فذلك سيحسن من مستوى HDL، ويفيد القلب وعموم الصحة.
كما أن تناول أدوية الستاتين يحسن أيضا من مستوى HDL، رغم أن الذين يتناولونها لم يبدأوا في ذلك لهذا الهدف، لأن تأثيراتها طفيفة. وإن لم يقدم التغيير في نمط الحياة شيئا ما، فقد يصف لك الطبيب أدوية «نياسين» أو «الفيبرات».
وتشير نتائج تجارب لا تزال جارية، إلى أن تناول أحد أدوية «نياسين» (وهو «نياسبان» Niaspan) مع أدوية الستاتين، آمن وفعال في تحسن مستويات الكولسترول ومكافحة تصلب الشرايين. وقد تؤدي الأبحاث الحالية على دور مختلف الجزيئات مثل CETP، ABCG1، LCAT، PLTP، وSR – B1 في يوم من الأيام في زيادة إنتاج الكولسترول الحميد HDL، لمكافحة تصلب الشرايين.