في الدور العلوي بمجمع الصالحية في مدينة الكويت، يقع محل صغير، متخصص في بيع الأقمشة الرجالية فقط، وزبائنه أشخاص غير عاديين يبحثون عن كل ما هو فريد ومختلف طالما أن الثمن ليس همهم، بقدر ما هاجسهم هو "البحث عن التميز".
ويمتلك هذا المحل حاليا علي بن نخي بعدما ورثه عن والده الراحل الذي امتهن هذه المهنة منذ العام 1948، وقد تبدل الحال مع علي الذي كان والده يوفر الأقمشة الرجالية لكافة الزبائن ومن مختلف الشرائح والطبقات دون استثناء، فالرخيص والغالي كان معروضا في المحل.
إلا أن الأمور اليوم لم تستمر على ذلك النحو، فبعد انتقال المحل من السوق القديم في الكويت إلى الصالحية قبل 15 عاما تغيرت الأحوال وتوسعت التجارة واختلف الزبائن أيضا، "من هنا بدأت الطفرة والتوسع إلى الخليج وبعض الدول العربية، حيث أصبح زبائننا ملوك وزعماء وشخصيات هامة، ومنهم أيضا رجال سياسة ومال معروفين"، والكلام لعلي بن نخي.
ويتابع بن نخي حديثه لـ "العربية. نت"، قائلا: إن أغلى قطع الخام "الدشداشة" الموجودة في المحل، تصل إلى 24 ألف دينار كويتي (75 ألف دولار أمريكي)، بواقع 8 آلاف دينار كويتي للمتر الواحد. مؤكدا أن القيمة في القماش تعتمد على "النقاوة"، فالقماش كلما كان نقيا يرتفع ثمنه، وإن أضفت له الحرير أو الذهب أو الألماس، فإن هذا يقلل من سعره.
والمثير أيضا أن المحل يعرض قطع من القماش أو الصوف الفاخر مطرزة بالذهب وأخرى بالألماس، فضلا عن تلك التي تطرز بأسماء يختارها الزبائن، إلا أن الأخيرة تحتاج إلى فترة 3 أشهر لإنجازها، لافتا إلى أن الكثير من الأقمشة التي يوفرها لزبائنه، هي في الغالب تجلب من مصانع متخصصة في الأصواف في المملكة المتحدة. ويؤكد أن الكثير من النوعيات يخبرنا عنها زبائننا ونقوم بتوفيرها لهم. ويضيف: إنه يطلب الأقمشة المطلوبة من مصانع النسيج المتخصصة، وهي لأصواف إنجليزية.
ويذكر أن من زبائنه شخصيات رسمية وتجار ومطربين، وفي الغالب هم لا يسألون عن السعر، لأن اهتمامهم فقط يكمن في طلب التميز دون الالتفات إلى القيمة الشرائية. "بعضهم يطلب ثلاثة أمتار ونصفا في القطعة الواحدة وبعضهم الآخر يطلب 5 أمتار للدشداشة الواحدة".
استعمال لمرة واحدة
ويردف : بعت لأحد رؤساء الدول العربية المتر بـ 1400 دينار كويتي، لكنه لم يكشف عن هوية هذا الرئيس. ويردف: بحكم تعاملي وخبرتي في العمل أكتشف أن هناك بعض الأشخاص يرتدون الدشداشة مرة واحدة لاسيما الصيفية منها، وعلل السبب في ذلك قائلا: "هم يملكون المال، وهذا يكفي".
ويتابع بقوله: لقد بعت مؤخرا لإحدى الشخصيات قطعا من القماش يصل سعر المتر فيها إلى 4 آلاف دينار، وقد اشترط هذا الشخص عدم الكشف عن هويته، فهو يبحث عن التميز وكل ما هو جميل ومميز، "الخليجيون بطبعهم يريدون التميز وأن يرتدوا قماشا لم يسبقهم أحد إليه أو أنه غير مكرر".
ويستدرك قائلا: زبائننا ليسوا رجالا فقط، فهناك نساء يطلبن العباءة الكشميرية. وهذه حسب بن نخي لا تطلبها أي واحدة، فهي للاتي يعرفن قيمة الصوف الكشميري، وقد وصفهن "بالذواقات".
وبالنسبة للأزمة الاقتصادية الأخيرة ومدى تأثيرها على أصحاب هذا الذوق أو المزاج العالي والغالي، يقول: لقد أثرت على حجم الزبائن وإنما لم تؤثر على نوعياتهم، فأصحاب المستوى العالي لم يتأثروا مطلقا، فهناك مستوى رؤساء دول وتجار كبار لا يتأثرون، "بعض المستويات الأقل هي من تأثرت وتأثير الأزمة ما زال قائما حتى الآن عليهم".
وحول كيفية توصيل بضاعته لزبائنه، يقول: إنه يعتمد على أمرين فإما عن طريق إرسالها مع أحد الموظفين في المحل إلى الجهة التي طلبتها أو عن طريق الـ "dhl".
ويستغرب بن نخي عدم تقبل الكثير من الناس سعر قماش الدشداشة، بالرغم من أنهم يتقبلون شراء بدلة ماركة بـ 20 ألف دينار أو أي قطعة كمالية. متسائلا: "فهل حلال أن تشتري لزوجتك فستانا بألف دينار على سبيل المثال ولا تشتري لنفسك دشداشة بنفس المبلغ؟".
وعن نفسه، يقول من المؤكد أنني لا أرتدي من هذه الأقمشة مرتفعة الثمن، فهي غالية ولا تتناسب مع ميزانيتي". لكنه يستطرد: إن متعتي تكمن في الحصول على القماش الغالي، "أنا مزاجي في الشتوي"، وبالرغم من قصر الفترة الشتوية في دول منطقة الخليج والمحدودة جدا، إلا أنه يؤكد أن البيع في هذه الفترة يعوض مبيعات العام كله.
ويختتم بن نخي قائلا: إن محله هو الوحيد في الكويت المتخصص في بيع الأقمشة الـ vip والراقية جدا، "زبائني في الواقع من رؤساء دول الخليج وشخصيات مرموقة، وإن اشترى أحدهم من قماش معين فهذا يعني أن المسطرة تبعد عن أنظار الزبائن الآخرين فهذا شرطهم الرئيسي، ونحن نقدره".
أسعار غير طبيعية
وفي مكان ليس ببعيد عن محل بن نخي، وفي مجمع الصالحية أيضا، يوجد محل آخر يحمل عنوان "الأمراء"، التقت "العربية.نت" فيه محمد عبدالرؤوف بلتاجي وهو سوري يعمل في هذه المهنة منذ 47 عاما، وقد احتل محله هذا الجزء من الصالحية منذ 28 عاما، ويقول لـ "العربية.نت": منذ الثمانيانات من القرن الماضي اعتدنا أن نجلب أجود النوعيات من الأقمشة لزبائننا، فضلا عن توفير أقمشة لأكثر من 15 ماركة عالمية.
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر |
ويعرف زبائنه بأنهم "من الشخصيات السياسية والاقتصادية المرموقة، سواء من الكويت أو خارجها"، مؤكدا أنهم – أي الزبائن – "يركزون على الجودة"،أما بالنسبة إلى أعلى سعر لقطعة قماش في محله، فيقول: لدينا قطعة بـ 9 آلاف دينار، وتتكون من 3 أمتار ونصف.
ويؤكد أن هناك قطعا من القماش الرجالي يصل سعرها إلى 12 ألف دينار، لكن مثل هذه لا تحدث أن يطلبها أحدهم، إلا في حالات قليلة جدا، "نجلب بضائعنا حسب الطلب، ونتيجة لارتفاع كلفة الأقمشة المطلوبة، فإننا لا نستطيع توفيرها جميعا في المحل قبل أن يطلبها الزبون فهي تحتاج إلى ميزانية ضخمة جدا".
وحول مصدر هذه الأقمشة، يشير إلى أن منها أصواف لمراعي توجد في جبال الهملايا، التي تتمتع الأغنام فيها بنعومة وجودة عالية في أصوافها.
ولدى سؤاله عن أغلى قطعة قماش باعها، يجيب بأنها كانت بـ 4 آلاف ونصف دينار، لكنه يشير إلى وجود قطع بـ 9 آلاف و10 آلاف دينار كويتي موجودة لديه في المحل.
ويلفت إلى أن الأقمشة هذه عبارة عن "طاقة" صغيرة ومقسمة على دول العالم، لذا فإنها غير مكررة كثيرا. أما تلك التي تكون حياكة يد، فهذه تصنع مرة واحدة ولا يوجد سواها في العالم.
ويؤكد أن البضاعة عالية الجودة لا تخرج إلا لزبائن محدودين. مبينا أن نوعية "سوبر 250" هي الأعلى في الجودة، وهناك أنواع الكشمير والبيجي. وأخيرا ماذا تلبس سألت بلتاجي، أجاب: بدلتي مترها بـ 50 دينارا، وتتكون من 3 أمتار.