~|||||| الحدِيث ||||||~
عن ابن عُمر رضي الله عنهمَا قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم:
" المرءُ مع مَن أحَب " – رواه البخاري .
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر |
~|||||| حدِيث مُشابه ||||||~
عن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" ثلاث هنَّ حق لا يجعل اللهُ من له سهْم في الإسلام كمنْ لا سهمَ لهُ ولا يتولَى الله عبدَا فيوليه غيره ولا يحبُ رجل قومَا إلا حشر مَعهم "
– رواه الطبراني في الصغير والأوسط بإسناد جيد –
~|||||| شرْح الحدِيث ||||||~
هذا الحديث فيه: الحث على قوة محبة الرسل واتباعهم بحسب مراتبهم، والتحذير من محبة ضدهم؛ فإن المحبة دليل على قوة اتصال المحب بمن يحبه، ومناسبته لأخلاقه، واقتدائه به، فهي دليل على وجود ذلك ، وهي أيضاً باعثة على ذلك.
وأيضاً من أحب لله تعالى، فإن نفس محبته من أعظم ما يقربه إلى الله؛ فإن الله تعالى شكور، يعطي المتقرب أعظم -بأضعاف مضاعفة – مما بذل، ومن شكره تعالى: أن يلحقه بمن أحب، وإن قصر عمله. قال تعالى: { وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقًا }.
ولهذا قال أنس: "ما فرحنا بشيء فرحنا بقوله صلى الله عليه سلم : "المرءُ معَ منْ أحَب". قال: فأنا أحبُ رسول اللهِ صلَّى الله عليْه سلم ، وأبا بَكر، وعُمر، فأرْجو أن أكُون معَهم". وقال تعالى: { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ } وقال سبحانه: { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ }، وهذا مشاهد مجرب إذا أحب العبد أهل الخير رأيته منضماً إليهم، حريصاً على أن يكون مثلهم. وإذا أحب أهل الشر انضم إليهم، وعمل بأعمالهم.
وقال صلى الله عليه سلم : "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل"، "ومثل الجليس الصالح، كحامل المسك إما أن يَحْذيك وإما أن يبيعك، وإما أن تجد منه رائحة طيبة، ومثل الجليس السوء كنافخ الكِيْر إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه رائحة خبيثة".
وإذا كان هذا في محبة الخلق فيما بينهم، فكيف بمن أحب الله، وقدَّم محبته وخشيته على كل شيء؟ فإنه مع الله، وقد حصل له القرب الكامل منه. وهو قرب المحبين، وكان الله معه. فـ{ إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ }، وأعلى أنواع الإحسان محبة الرحيم الكريم الرحمن، محبة مقرونة بمعرفته.
~|||||| الأخوّة في اللهْ ||||||~
الأخوَّة في الله ، والحب في الله ، من أعظم شعائر الدين ، وأوثق عرى الإيمان ، وقد جاء في كتاب الله تعالى ، وفي سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم ، ما يبين ذلك ويوضحه بأجلى صورة ، وأحلى عبارة ، ويكفينا في ذلك بعض الآيات والأحاديث ، ومنها :
قوله تعالى { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } الحجرات/ من الآية 10 .
وقوله { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } آل عمران/ 103 .
وعَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ { ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ } رواه البخاري (16) ومسلم (43).
قال ابن رجب الحنبلي – رحمه الله – :
الخصلة الثانية: أن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، والحب في الله من أصول الإيمان ، وأعلى درجاته … وإنما كانت هذه الخصلة تالية لما قبلها ؛ لأن مَن كان الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما : فقد صار حبُّه كله له ، ويلزم من ذلك أن يكون بغضه لله ، وموالاته له ، ومعاداته له ، وأن لا تبقى له بقية من نفسه وهواه ، وذلك يستلزم محبة ما يحبه الله من الأقوال ، والأعمال ، وكراهة ما يكرهه من ذلك ، وكذلك من الأشخاص.
" فتح الباري " لـ ابن رجب ( 1 / 49 – 51 ) باختصار .
~|||||| الحبُّ في اللهْ ||||||~
فالحب لله أو الحب فيه أو من أجله معناها واحد، وهو الحب من أجل دينه وطاعته وامتثال أوامره واجتناب نواهيه ابتغاء مراضاته سبحانه وتعالى.
قال الأخضري المالكي في مقدمته: ويجب عليه (المكلف) أن يحب لله، ويبغض له، ويرضى له، ويغضب له، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
وللمحبة في الله تعالى أو لأجله من الخير والثواب الجزيل عند الله تعالى ما بينه النبي صلى الله عليه وسلم ففي الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سبعة يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله…. وذكر منهم:" ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه"
وقال صلى الله عليه وسلم: "وجبت محبتي للمتحابين في والمتزاورين في …. "
*كيف يكون الحب في الله؟ وكيف يحشر المرء مع من أحب؟
فالمحبة في الله تعالى تكون بأن يحب الشخص لكونه مستقيماً على طاعته لله تعالى، مبتعداً عن معاصيه،وهي من الموالاة التي تجب على المسلم لإخوانه المؤمنين.
المعنى هو أن الله تعالى يحشره يوم القيامة بعد البعث والنشور مع من أحبه في مكان واحدٍ.
قال المباركفوري في تحفة الأحوذي: أي يحشر مع محبوبه ويكون رفيقاً لمطلوبه،
قال الله تعالى:{وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}
وقال الإمام النووي رحمه الله: لا يلزم من كونه معهم أن تكون منزلته وجزاؤه مثلهم من كل وجه.
~|||||| الحبُّ في اللهْ من أسباب دُخول الجنَّة ||||||~
إن الحب في الله من أقوى أسباب الأمان والنجاة يوم القيامة، فقد روى مسلم والبخاري وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: "سبعة يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله وذكر منهم : رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ".
فاستمرار محبتك لأختكِ للتدين والصلاح هو: استمرار لهذا الضمان من الله بأن يظلكما في ظلّه يوم القيامة – إن شاء الله – ومَن أظلّه الله تعالى في ظـلّه لم يُعذبه، وما عليكما إلّا الثبات على الإيمان والصلاح والعبادة، والاستمرار على هذه المحبة الخالصة لله سبحانه، واسألاه جلّ وعزّ أن يحشركما في ظله ويدخلكما في نعيمه.
ثم إن المؤمنين يُشفِّعُ الله مَن يشاء منهم، فيمن يشاء يوم القيامة، فقد روى ابن خزيمة من حديث أنس رضي الله عنه أنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: "إن الرجل يَشْفع للرجلين والثلاثة، والرجل للرجل"، وأخرج الترمذي وحسنه، وأحمد، وابن خزيمة من حديث ابن أبي جدعان رضي الله عنه أنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: "ليدخلن الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من بني تميم"، قال: قلنا: سواك يا رسول الله؟ قال:"سواي".
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه " إذا رزقكم الله عز وجل مودة امرئ مسلم فتشبثوا بها "، وكانَ إذا لقي ابو بكر رضي الله عنه قبَّل رأسه .
وكان ابن مسعود -رضي الله عنه- إذا خرج إلى أصحابه قال:" أنتم جلاءُ حزني ".
ورئي على علي بن أبي طالب رضي الله عنه ثوب كأنه يُكثر لبسه، فقيل له فيه، فقال: "هذا كسانيه خليلي وصفيّي عمر بن الخطاب، إنّ عمر ناصح الله فنصحه الله"
وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول لابنه الحسن : يا بني الغريب من ليس له حبيب
وكان بلال بن سعد الأشعري يقول: (أخ لك كلما لقيك ذكّرك بحظك من الله خير لك من أخ كلما لقيك وضع في كفك ديناراً)
وقال الحسن البصري : إخواننا أحب إلينا من أهلينا ، إخواننا يذكروننا بالآخرة وأهلونا يذكروننا بالدنيا.
يقول مالك بن دينار : " لم يبق من روح الدنيا الا ثلاثة: لقاء الإخوان و التهجد بالقرآن و بيت خال يذكر الله فيه "
يقول محمد بن المنكدر -لما سئل ما بقي من لذته في هذه الحياة؟- قال: ‘لقاء الإخوان وإدخال السرور عليهم’.
وسئل سفيان: ما ماء العيش؟ قال: ‘لقاء الإخوان’. وقيل:’حلية المرء كثرة إخوانه’.
وقال خالد بن صفوان: ‘إن أعجز الناس من يقصر في طلب الإخوان، وأعجز منه من ضيع من ظفر بهم’..
فنسأل الله أن يرزقنا حبه، وحب من يحبه، وحب العمل الذي يقرّب إلى حبه؛ إنه جواد كريم .