السلام عليكم ورحمته وبركاته :
مهمّة الإنسان في هذه الحياة _ كما أخبر الله في كتابه _ أن يكون خليفة في الأرض : يعمرها ، ويظهر أسرار الله فيها ، ويعمل على صلاحها ، واتّساع عمرانها ، وإقرار السّعادة في نواحيها .
فما أجلّها من مهمّة ! وأعظم بها من مسؤوليّة !
ولا تعلم مقوّضا للسّعادة ، قاضيا على الهناءة ، مفكّكا لعرى التّعاون ، مضيّعا للعزّة والسّلطان مثل الأعداء الثّلاثة : الجهل ، والمرض ، والفقر ، وهي حقّا العدوّ اللّذوذ للإنسانيّة ، فبئس عدوّا هي .
لذلك حارب الإسلام الجهل وتتبعه في كل وكر من أوكاره ، وفي كل لون من ألوانه : حارب جهالة الشرك بالتوحيد ، وحارب جهالة التقليد بالنظر والبرهان ، وحارب العادات الممقوتة والأوهام الفاسدة بالتقاليد الكريمة ، والحقائق الصادقة ، وقبل ذلك كله حارب الأمية وأوحى تعليم الكتابة ورفع من شأن القلم ، وحسبنا في ذلك أن أول نداء إلهي افتتح الله به وحيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى : ° اقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق ، اقرأ وربك الأكرم ، الذي علم بالقلم ، علم الإنسان ما لم يعلم ° .
وقد أدرك المسلمون الأولون قيمة العلم ومنزلته في نظر الإسلام ، وضرورته لسعادة الأمم والأفراد ، وكانوا أمّة أمّيّة فجدّوا في محو أمّيتهم بكلّ الوسائل : أطلقوا سراح الأسير إذا علّم عددا من أبناء المسلمين القراءة والكتابة ، جعلوا تعليم القرآن مهرا في الزّواج ، رفعوا بالعلم مكانة الخامل ، فكان العلم نسب الوضيع ، وغنى الفقير ، وقوّة الضّعيف ، فكان لسان حالهم يقول : لا حبّذا الجهل ، ونعم المسلم العالم .
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر |
كما حارب الإسلام المرض ، فأمر بالوقاية ، وحذّر من العدوى ، وحثّ على التّداوي ، وأباح للمريض والخائف من المرض ، إذا توضأ ، أن يتيمّم ، وأباح الفطر في المرض والسفر والحيض والنّفاس والحمل والإرضاع والشّيخوخة .
كل ذلك عناية بالصّحّة ، ووقاية من المرض ، وقد استقرّ ذلك في نفوس المسلمين حتى اشتهر أنّ صحّة الأبدان مقدّمة على صحّة الأديان .
وحارب الإسلام الفقر ، بالكسب وتحصيل الأرزاق ، وأوجب على الأغنياء معونة الفقراء والمساكين ، وإنّك لا تكاد تجد سورة من سور القرآن الكريم لم تعرض للفقراء فتحرّك لهم عواطف الأغنياء ، وتستدرّ منهم الرّحمة والبرّ والمعونة ، تارة بالتّرغيب ، وأخرى بالتّرهيب ، وثالثة بتصوير الإحسان في صورة محبّبة إلى النّفوس ، وتصوير البخل والشّحّ في صورة كريهة ممقوتة .
فنعم ما تسعى إليه _ أيّها المسلم _ مساعدة النّاس ، وسبحان الله الذي بسط في كتابه كل شيء !