سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر |
رغم أن الله شرع رخصة الفطر للمسافرين؛ إلا أن كثيرًا من هؤلاء يفضلون الصوم لقوله تعالى: {وأن تصوموا خير لكم} باعتبار أن صيام أيام رمضان لا يضاهيها صوم أي أيام أُخر.. ولكن ماذا عن المسافر بالطائرة ـ أسهل الوسائل سفرًا، ولا يترتب عليها مشقة.. هل يجوز له الفطر؟ وإذا صام فوفق أي توقيت يفطر؟ وهل يفطر وفقًا لتوقيت الدولة التي خرج منها أم توقيت الدولة المتجه إليها أم وفق ماذا؟.
حول التوقيت الذي يفطر فيه المسافر بالطائرة يقول د.علي جمعة، مفتي مصر: «إن المُشرع علق الإفطار والإمساك بتبين الصائم غروب الشمس وطلوع الفجر؛ فقال تعالى {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل}.. وفي الصحيحين عن عمر بن الخطاب «رضي الله عنه»، قال: قال النبي، صلى الله عليه وسلم: «إذا أقبل الليل من ها هنا، وأدبر النهار من ها هنا، وغربت الشمس فقد أفطر الصائم»، وهذا كله يعني أن العبرة في الإفطار هي تحقق الصائم من الظلمة، إما حسًا برؤيته هو أو خبرًا بتصديق من يعتد بإخباره في ذلك.. وكذلك الحال في الإمساك حيث تكون العبرة بتحقق الشخص من طلوع الفجر الصادق، إما حسًا، أو بخبر ممن يعتد بإخباره».
يضيف جمعة: «من المعلوم أن الإنسان كلما ارتفع عن سطح الأرض تأخر لديه غروب الشمس، وهذا أمر يلاحظه من يقطنون الأدوار العليا، وذلك بسبب كروية الأرض، وبالتالي، ووفقًا للقواعد الشرعية، فإنه لا إفطار حتى تغرب الشمس؛ وبناء على ذلك فإفطار المسافرين بالطائرة يكون برؤيتهم غروب الشمس بالنسبة إليهم، وفي النقطة التي هم فيها، ولا يفطرون بتوقيت البلد التي يحلقون عليها، ولا التي سافروا منها، ولا التي يتجهون إليها، وإنما عند رؤيتهم غروب الشمس بكامل قرصها».
يشير جمعة إلى أنه إذا طالت مدة الصيام طويلاً بسبب تأخر غروب الشمس؛ فللصائم أن يفطر؛ نظرًا للمشقة الزائدة في السفر، وليس لانتهاء اليوم، وعليهم أن يقضوا الأيام التي أفطروها.
يؤكد جمعة أن ما يقوله بعض قواد الطائرات من الإفطار على ميقات البلد الأصلي أو البلد الحالي الذي تمر عليه الطائرة غير صحيح شرعًا، وعلى الصائمين أن يربطوا إفطارهم بغروب الشمس عندما يرونه.. مشيرا إلى أن هناك حالة تغيب فيها الشمس ثم تخرج مرة أخرى من جهة المغرب لسرعة الطائرة، وهنا يفطر الصائم عند الغياب الأول للشمس، ولا يلتفت لعودتها مرة ثانية.
للمسافر حرية الرخصة
د.سعاد صالح، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، ترى أنه من الأفضل أن يفطر الصائم وفق توقيت البلد الذي يصل إليه حتى لا يحدث اضطراب أو بلبلة لدى الصائم، وإذا جهل الصائم توقيت الإفطار في هذا البلد الذي يصل إليه؛ فيجوز له أن يفطر في هذا البلد الذي يصل إليه بتوقيت الإفطار بمكة المكرمة.
وعن جواز إفطار الصائم المسافر بالطائرة تقول صالح إن الله شرع الفطر لمن كان مريضًا مرضًا يضره الصوم أو يعسر عليه إن كان على سفر يشق عليه كثيرًا؛ على أن يصوم الأيام التي أفطرها أيامًا أخر مساوية لها في العدد..
موضحة أن جمهور الفقهاء أجمعوا على أن الفطر مشروع على سبيل الرخصة للمريض والمسافر، ولهما حرية الاختيار في ذلك سواء بالفطر أو بالصيام؛ بغض النظر عن وسيلة السفر سواء كانت طائرة أم قطارًا أم وسيلة أخرى؛ لأن العبرة بالمسافة التي حددها العلماء بنحو 86 كيلو مترًا فأكثر، وليس بالمشقة التي تختلف من إنسان لآخر.
توضح صالح أن وظيفة قيادة الطائرة من الوظائف التي قد يصعب معها الصيام، وكذلك التعويض فيما بعد، وبالتالي فإن قائدي الطائرات لهم أن يفطروا على أن يتم تعويض الأيام التي أفطروها بعد رمضان، وإن لم يستطيعوا التعويض بسبب ظروف عملهم فيكون التعويض في هذه الحالة عن طريق إطعام المساكين.
مشقة ظاهرة
بدوره يوضح د.عبدالمنعم البري، أستاذ الأديان، أن المسافرين بالطائرة لهم أن يفطروا في شهر رمضان رغم عدم وجود مشقة ظاهرة في هذا النوع من السفر؛ فالله سبحانه وتعالى أباح الفطر بتحقق علة السفر دون النظر للمشقة متى كانت مسافة السفر لا تقل عن مرحلتين تقدران بنحو ثلاثة وثمانين كيلو مترًا ونصف الكيلو متر؛ شريطة ألا يكون سفره بغرض المعصية، وذلك لقوله تعالى {ومن كان مريضًا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}.
ورغم ذلك كما يضيف البري فإن المسلم عليه أن يقدر حال نفسه؛ فإذا أيقن وغلب على ظنه أنه سيجد مشقة إذا صام فعليه بالفطر، أما إذا أيقن وغلب على ظنه أنه لن يجد مشقة فله أن يصوم لقوله تعالى {وأن تصوموا خير لكم}، خاصة أن الصوم خير للمسافر من الفطر، وأكثر ثوابًا ما دام لا يشق عليه.
مرضى السكر والقلب
د.حسن شعبان، مدير الحجر الصحي بمطار القاهرة، يرى ضرورة إفطار مرضى السكر والقلب، نظرًا لحاجة هؤلاء المرضى إلى تعاطي أدوية على فترات متقاربة، وهو أمر قد يتعارض مع الصوم، كما أن هؤلاء المرضى أيضًا يكونون أكثر عرضة لأزمات مرضية مفاجئة أثناء رحلاتهم نتيجة الإجهاد، وقد يصابون بهبوط حادٍ في الدورة الدموية قد تؤدي إلى الوفاة لا قدر الله.
وفي رأي شعبان فإن الصوم أو الفطر أثناء السفر بالطائرة متروك للفرد؛ فإذا وجد في نفسه القدرة على تحمل السفر فله أن يصوم، ومن وجد مشقة في ذلك فله أن يفطر.. مضيفًا أنه إذا نوى الفرد الصوم فعليه أن يتناول كميات كبيرة من السوائل والعصائر أثناء السحور، وذلك لحاجة الجسم إلى السكريات طوال رحلة السفر.
رحلات صعبة
يشير هشام الديب، رئيس رابطة الطيارين المصريين، إلى أنه رغم وجود رخصة دينية تبيح إفطار قائدي الطائرات أثناء السفر، نظرًا لصعوبة الصيام مع القيادة، فإن عددًا كبيرًا من الطيارين يصرون على الصيام في الرحلات القصيرة والمتوسطة..
ويوضح أن هناك رحلات يستحيل معها الصيام، خاصة تلك الرحلات التي تسير مع اتجاه الشمس حيث لا يوجد غروب مثل رحلات الولايات المتحدة الأمريكية حيث تقلع الطائرة من أمريكا الساعة الثالثة عصرًا بتوقيت نيويورك وتصل القاهرة في اليوم الثاني الساعة العاشرة مساء بتوقيت مصر، حيث تصل فترة الصوم خلال هذه الرحلة إلى 22 ساعة دون أن ترى الغروب.
ويلفت الديب: «إن قائد الطائرة هو الذي يحدد موعد الإفطار والإمساك للركاب في الرحلات الطويلة التي قد تغرب الشمس عليها أثناء تحليقها بالجو».
القاهرة ـ دار الإعلام العربية