(بي بي سي)
باريس من أحدث المدن التي اعتمدت إجراءات مشددة وخلافية بشأن حركة المرور لتحجيم تلوث الهواء. فما الذي تفعله مدن أخرى لتخفيف حدة التلوث الناجم عن السيارات؟
بعد أن أصيبت بمستويات قياسية من تلوث الهواء، قررت سلطات العاصمة الفرنسية السماح للسيارات التي تحمل لوحة أرقام تنتهي بعدد فردي بالسير في يوم، وللسيارات التي تحمل لوحة أرقام تنتهي بعدد زوجي بالسير في اليوم التالي.
والدافع هو الحد من معدلات التلوث التي بلغت 180 ميكروغراما من جزيئات (PM10) لكل متر مكعب، وهو أكثر من ضعف الحد الآمن المتمثل في 80 ميكروغراما.
فبموجب إجراءات الطوارئ، انتشر 700 من رجال الشرطة في شوارع المدينة فجراً لضمان أن السيارات والدراجات النارية ذات الأرقام الصحيحة وحدها هي التي يسمح لها بالمرور. وبعد يوم واحد فقط، انتهت تلك التجربة، وقالت السلطات في باريس إنها تركت أثراً ملموساً في تخفيف تلوث الهواء.
العاصمة الفرنسية تعد من أحدث المدن التي خفضت عدد السيارات التي تمرّ في الشوارع، إما بدافع الحد من تلوث الهواء، أو للتخفيف من الازدحام المروري الذي يخنق الشوارع والطرقات.
هنا بعض المحاولات المبتكرة للوصول إلى شوارع خالية من السيارات، وكذلك إلى سبل جديدة للتحايل على القانون من قبل سائقين يصرون على ملازمة مقود سياراتهم:
ميكسيكو سيتي – المكسيك 1989
حظر المسؤولون في المدينة مرور سيارات محددة في يوم معين من أيام الأسبوع وذلك في العام 1989؛ لكن التجربة جاءت بنتائج عكسية: فقد اشترى المقتدرون ماليا سيارات أخرى غير سياراتهم المحظورة لاستخدامها في يوم منع مرور سياراتهم الأولى.
وهكذا تفاقمت حركة المرور. وما زاد الطين بلة هو أن بعضا من تلك السيارات كانت أقدم وتصدر تلوثا أكبر. وقد توصل تقرير أصدره البنك الدولي إلى أن ذلك الحظر لم يحقق أي منفعة مرجوة.
شنغهاي – الصين الشعبية – العام 2024
شهدت مدينة شنغهاي التي يسكنها نحو 23 مليون نسمة نمواً متسارعاً خلال العقود القليلة الماضية. وصاحبت ذلك النمو زيادة هائلة في أعداد السيارات.
وفي العام الماضي، بلغت درجة التلوث الناتج عن السيارات وعن الصناعات الأخرى بالمدينة 31 ضعفا فوق معدل الأمان المقبول عالمياً.
لكن كيف واجهت شنغهاي تلك المشكلة؟ لجأت سلطات المدينة إلى إجراء مزاد علني على عدد محدود تماماً من لوحات أرقام السيارات كل شهر، والتي تعادل كل منها سعر سيارة بالكامل، وفقا لصحيفة "الصين اليوم". وهذا المبلغ ليس مرهقاً بالنسبة للأغنياء الجدد في الصين، لكنه فوق طاقة فقراء المدن.
لكن ذلك أدى إلى ازدهار محموم في تجارة لوحات أرقام السيارات العسكرية المزوّرة، فالسيارات العسكرية معفية من تلك القيود. ويمكن بيع لوحة أرقام واحدة من هذا النوع بمبلغ يصل إلى 45 ألف دولار أميركي، وهي صالحة للاستعمال لست سنوات.
مديلين وبوغوتا – كولومبيا – منذ العام 2000
تبنت مدينة مديلين، وهي ثاني أكبر مدن كولومبيا، سلسلة من البرامج الاجتماعية منذ خروجها من عقود من القلاقل الدموية التي أشعلتها عصابات تجارة المخدرات الكولومبية.
وقد حاولت المدينة منذ تسعينيات القرن الماضي البعد عن استخدام السيارات والتوجه نحو وسائل النقل الجماعي لسكان المدينة البالغ عددهم 2.5 مليون نسمة. تمثل جزء من ذلك في تخصيص يوم سنوي تخلو فيه شوارع المدينة من حركة السيارات. وشُجع الأهالي على ترك سياراتهم والانتقال مشياً أو بالدراجات الهوائية، أو وسائل النقل العام.
وقد دشنت العاصمة بوغوتا أول يوم لها بدون سيارات في الشوارع في العام 2000. وقد امتد ذلك اليوم هذا العام ليصل إلى أسبوع كامل.
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر |
ووفقاً لبعض التقارير، فإن المدينة التي يبلغ سكانها سبعة ملايين نسمة تشهد في كل يوم من أيام خلو الشوارع من السيارات نقصاً في عدد السيارات المارة في شوارعها يصل إلى 600 ألف سيارة.
كوبنهاغن – الدنمارك – ما بعد السبعينيات
شرعت العاصمة الدنماركية في وضع صحة البيئة في صدر أولوياتها بعد أزمة النفط في السبعينيات. وأعادت سلسلة من تشريعات تخطيط المدن إعادة رسم فضاءات المدينة العامة وميادينها، وشجعت استخدام الدراجات عوضاً عن السيارات.
وعلى رأس قائمة تلك التشريعات، فرضت ضريبة مبيعات بلغت 180 في المائة من سعر كل سيارة جديدة. ذلك يعني أن سيارة معروضة للبيع بمبلغ 20 ألف دولار تباع بسعر 50 ألف دولار.
وتحولت مواقف السيارات العامة السابقة إلى ساحات عامة، ومناطق مخصصة للسير على الأقدام. وفي العام 2024 كانت نسبة تملك السيارات في كوبنهاغن 18 في المائة.
لكن الارتفاع الأخير في أعداد السيارات الصغيرة الأرخص والأقل ضريبة لا يُخفي حقيقة أن هذه المدينة ترى النفع والجدوى في مداومة سكانها على المشي وركوب الدراجات.
هامبورغ – ألمانيا – بداية من 2030
كوبنهاغن قد تحملك خسارة مالية بسبب قيادتك للسيارة، لكن في مدينة هامبورغ الألمانية الساحلية، قد يكون مجرد حصولك على سيارة أمرا أكثر صعوبة في المقام الأول.
إن خطة المدينة الطموحة تتمثل في أن تصبح مدينة خالية من السيارات في غضون عقدين من الزمان -وأحد السبل إلى ذلك هو خلق ساحات خضراء متصلة ببعضها بعضا، والتي ستغطي نحو 40 في المائة من مساحة المدينة. ويمكن لذلك أن يجعل المدينة ممهدة للمشي وركوب الدراجات.