مخلوقات غريبة تظهر في بيروت وتعطّل حركة السير
فوجئ المارة، نهاية الأسبوع الماضي، في شارع الحمرا في بيروت، وتحديدا أمام مقهى «ستاربكس» بكائنات غريبة تظهر بين الناس، تقف وسط الطريق، توقف السيارات، تقتحم شبابيكها، تتحرش بركابها، دون أن تترك المشاة من شرها. ثلاثة كائنات بملابس خضراء فسفورية مغطاة أجسادهم من الرأس حتى أخمص القدمين، فيما الوجه المخفي هو الآخر، يتوسطه ما يشبه الخرطوم الذي يسمح بالتنفس. توقف العابرون دهشة، وتعطل مرور السيارات بسبب فضول الركاب ورغبتهم في معرفة ما يحدث، في ما استمرت الكائنات الخضراء الفسفورية تسير بطريقتها الآلية تارة والتلصصية تارة أخرى. تهامس المارة متسائلون عما يحدث، ومن هم هؤلاء؟ وما الذي يفعلونه هنا؟ ولماذا يعبثون بثياب رواد المقاهي، ويحدقون في الوجوه، ويشتمّون أحذية العابرين بعد أن يناموا على الأرض؟ غالبية ساحقة من رواد الشارع لم يدركوا أنهم يشاهدون أحد عروض «مهرجان مسرح الشارع»، وأن الكائنات التي وصفوها بأنها «حشّورة» هم راقصون من مؤسسة فنية سويسرية أسسها ويديرها أنطونيوس دوماتوس، شاركت في مهرجانات عالمية، وتظاهرات ثقافية مهمة في أكثر من 140 مدينة في 36 بلدا. لذلك ولمدة زادت على نصف الساعة بقي خلالها الفنانون، يدهشون العابرين، وهم يجتازون شارع الحمرا، في ما الناس يتبعونهم، والعابرون يحدقون فيهم، أو يقفون لاستكشاف قصتهم. المخلوقات الخضراء تقفز أحيانا كالقرود، تتسلق الجدران، البوابات، والأعمدة، وهي تقوم بتشكيلات جسدية، وحركات محسوبة بدقة وعناية فائقتين. وعند وصول الثلاثة إلى مقهى «كوستا» يتبعهم جمهور متحمس، بدأ الفنانون بمفاجأة الجالسين على رصيف المقهى، أو استعارة نظارات أحدهم، والبحلقة في الوجوه مع الاقتراب منها بشكل لافت. وفي مقابل العرض الذي كان يقدمه الراقصون، كان ثمة عرض آخر حاكه المتفرجون خاصة أولئك الأطفال الذين عمدوا إلى تقليد الراقصين. أما استفسارات الكبار فكانت من نوع: هل هؤلاء من أنصار البيئة أم من رواد الفضاء؟ ليرد آخر: «هؤلاء جماعة إنفلونزا الخنازير». وسط تعليقات بعضها مضحك وبعضها الآخر ذو دلالة، مثل اعتبارهم قذرين لأنهم يتمددون على الأرض، أو أنهم جاءوا لعمل دعاية لأحد المحلات الكبيرة التي استخدموا ساحتها لتأدية أحد المشاهد أمامها، وصل الثلاثة إلى ساحة أمام مسرح المدينة، لينضم إليهم رابع، يزيد من دهشة الجمهور الذي أخذ يتساءل: كيف يتكاثرون؟ ومن أين يخرجون؟ وفي هذا اللحظة علا صوت طبل وحضرت كراسي استخدمها المؤدون ليعلقوا أجسادهم أفقيا بشكل يعتمد على توازن الجسد كميزان، أو ينتصبوا بشكل بهلواني عمودي يثير الجمهور، ثم اختلط صوت الطبل بصوت موسيقى شرقية، قبل أن يأتي كل من المؤدين بـ«سكوتر» يستخدمه ليجول به، ويلقي تحيته على الحاضرين.
ورغم أن مسرح الشارع معروف في أوروبا، فإن عروض مهرجان بيروت غالبا ما تكون محترفة، ويحرص «زيكو هاوس» وهو الجهة المنظمة على استضافة فنانين ومؤسسات إبداعية، لها باع وابتكارات في مجال جذب جمهور الشارع والتفاعل معه، وعدم تركه غير مبال أمام ما يحدث. وإذا كان الهدف من هذا المهرجان هو تنمية حس الإنسان العادي بأهمية الفن، وإلزامه الالتفات إلى العمل الإبداعي، فإن المهرجان في سنته السادسة يبلغ غايته، وبات علامة من علامات بيروت الفارقة في سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول) من كل سنة. وسيبقى أهل بيروت على موعد مع المفاجآت الفنية، التي تكسر يومياتها الرتيبة حتى 31 من الشهر الحالي، حيث لا يعرف الناس، من سيخرج لهم في الليل أو النهار ليضعهم في أجواء لم يحسبوا لها حسابا.
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر |
دنيا الوطن