خدمة توصيل الطلبات للمنازل سلاح ذو حدين
الاتحاد – تحقيق – منى الحمودي
الكسل والتواكل و«الثقة» الزائدة التي في غير محلها، وعدم المسؤولية، تفتح بوابات الشر وتغري أصحاب النفوس الضعيفة على ارتكاب الخطايا وتعكير صفو واستقرار البيوت الآمنة .. وتوصيل الطلبات للمنازل أمر لا بد منه لأنه يوفر الجهد والوقت للأسر .. لكن المفترض ألا يكون هناك اختلاط أو احتكاك بين موصلي الطلبات والأسر خصوصاً خادمات البيوت .. وأن يقتصر الأمر على تسليم وتسلم الطلبات حرصاً على البيوت وأسرارها وأمانها.
معظم المستهلكين لا يستطيعون التخلي عن خدمة توصيل الطلبات، لكن البعض يرفض هذه الخدمة درءاً للمشاكل.
سيدة كبيرة في السن تعيش وحدها مع خادمتها منذ 16 عاماً، استيقظت قبيل الفجر ولمحت شخصاً غريباً يغادر الباب الخارجي للمنزل، وبعدها اكتشفت أن هذا الرجل هو العامل في البقالة القريبة من المنزل.ولوحظ في الآونة الأخيرة تزايد المخاطر الأمنية والاجتماعية المصاحبة لخدمة توصيل الطلبات من العاملين في البقالات والمطاعم وغيرها.
ولا ننكر أهمية هذه الخدمة، لكننا نريد «توعية أفراد المجتمع»، حيال الأضرار التي يمكن أن تلحق بالخادمات، أو أفراد العائلة، أو المنازل في حال تسهيل التعامل مع هذه العمالة.
الهاتف يكشف الجريمة
قالت منال أحمد، إن رنين هاتف خادمتها في ساعات متأخرة من الليل وفي الصباح الباكر، دعاها لتفتيش الهاتف، لتجد أن صاحب الرقم هو نفسه العامل الذي يوصل قناني الماء الى المنزل أسبوعياً، مستنكرةً وجود رقم العامل لديها خصوصاً إن التعامل يتم بينه وبين رب الأسرة ، وعند سؤالها عن سبب وجود الرقم لديها، بدأت بالبكاء خوفاً من إبلاغ زوجها في بلده، واعترفت بأنها على علاقة به فقط بالحديث عبر الهاتف.وأضافت أن الخادمة سرقت جهاز «الآيباد» وهواتف نقالة من المنزل، وسلمتها لعامل البقالة لإخفائها لها، واعترفت بسرقتها الأجهزة بعد أن رأى رب الأسرة عامل البقالة يمشي قريباً من سور المنزل، مدعياً فقدانه مفاتيح خاصة به.
الهروب
وروت نادية العامري قصة خادمتها التي كانت تصر على مغادرة المنزل للعمل في منزل آخر، وأقنعتها بعدم المغادرة محذرة من أنها لا يمكنها العمل في مكان آخر، وبعد فترة فوجئت بهروب الخادمة من المنزل وحاولت الاتصال بها لتسألها عن موقعها، خوفاً من حدوث مكروه لها، واعترفت الخادمة لربة المنزل بأن عامل الخياطة القريب من المنزل قام بتهريبها لإمارة أخرى وأخذ النقود منها بعد أن وعدها بالزواج، وأنه كان يأخذها لمنزل في إمارة أخرى مدعياً بأنه سيكون «عش الزوجية»، وأنها فوجئت بأن المنزل يضم عشرات الخادمات المُهربات وتحويله إلى وكر للدعارة.
يرى سيف البلوشي أن خدمة توصيل الطلبات للمنازل قد تكون بؤرة فساد ومشاكل اجتماعية، ويجهل بعض ربات المنازل الخطر الذي ينتج عن فتح الأطفال أو الخادمات أبواب المنازل لتسلم الطلبات، حيث أصبح صاحب البقالة من يقوم بتوصيل الطلبات على معرفة بأسماء جميع من يقطن في المنزل، ويتمادى البعض بسؤال الخادمة أو الطفل عن بعض الأمور الشخصية لمن في المنزل مثل جهة العمل والسيارة التي يمتلكها وغيرها.
ويقول عمر البلوي: إن توصيل الطلبات للمنازل قضية قد يغفل عنها الكثيرون، وتنتج عنها مشاكل تحت مسمى «الثقة» سواء للفتيات أو الأطفال، والخطر ليس بوجود خدمة التوصيل بل عدم الحرص، ومنح الثقة لأشخاص لا نعرفهم، فالكل له حياته الخاصة، وربما لا تجد مدبرة المنزل من يسمع شكواها حول عامل البقالة الذي بدأ يتحرش بها، أو عامل المطعم الذي يتصل بها تكراراً، باعتبار أن أمر توصيل الطلبات للمنازل، وسيلة سهلة للخطأ.
تقول شيخة أحمد: وجود عامل توصيل البقالة أمام المنزل يغضب أبي كثيراً، وأصبحنا نطلب في الأوقات التي يغيب فيها عن المنزل، إلا أن مصادفة وصول والدي للمنزل بالتزامن مع وصول عامل التوصيل كانت إنذاراً نهائياً لنا، وتمت معاقبتنا على هذا الأمر، وهو ما جعلنا نرفض الاتصال بالمطعم أو البقالة، بل نرسل السائق أو الذهاب بأنفسنا، خصوصاً بعد سرد والدي العديد من القصص والمشاكل التي حدثت في الحي الذي نقطنه جراء توصيل الطلبيات.
مخاطر كبيرة
تعتبر أمينة حاجي خدمة التوصيل عن طريق عامل غريب، حسنة وجيدة للمجتمعات والأسر بشكل عام، لكنها تحمل بين طياتها مخاطر جمة. وقالت: سمعنا الكثير من المخاطر التي يتسبب بها هؤلاء العمال من سرقات المنازل وملاحقها. وترفض حاجي هذه الخدمة خصوصاً أنها تعود الناس على الكسل والتقاعس عن القيام بشؤون الأسرة، وفيها تعد على الحُرمات، وتهريب الخادمات عن طريق التواصل المباشر بين الخادمة والعامل، مشيرة إلى أنه يجب التحكم بالأمر وعدم التساهل فيه، وأن على كل رب أسرة أن يوفر ما يحتاج إليه أهل بيته؛ لأن هذا الأمر مسؤوليته.
أين الخطأ؟
أشار عادل عبدالله سيف إلى أن خدمة التوصيل للمنازل تنفع أكثر مما تضر، ولكن السلبية موجودة في أصحاب المنازل، وهناك خلل يجب على أفراد المجتمع مراجعته؛ لأن خدمة التوصيل وُجدت من أجل راحتهم وتوفير الوقت والجهد عليهم، وبإهمالهم تم تحويلها قضية خطيرة ما بين القبول والرفض، والحل يكمن في أن تتم معاملة عامل التوصيل على أنه غريب، ومن يستقبل الغرباء هو رجل المنزل، وفي حال استقبال الخادمة له، لا بأس من مراقبتها من بعيد عند فتحها الباب، وإن كان الطفل من قام بفتح الباب، يجب أن تكون هناك توعية مسبقه من الأهل له حول كيفية التعامل مع الغرباء، وعدم التحدث إليهم عن المنزل وأفراده، مضيفاً أن المنزل الذي يخلو من الرجال يجب على أفراد المنزل من نساء وأطفال الذين يلجؤون للطلب عبر الهاتف الحذر، وطلب المشتريات مرة واحدة في الأسبوع.
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر |
الإهمال والثقة وغياب الرقابة
أكد العقيد عبدالله علي منخس مدير إدارة التحريات والمباحث الجنائية بالإدارة العامة للعمليات الشرطية بشرطة رأس الخيمة، أن دولة الإمارات من أفضل دول العالم في تحقيق الأمن والسلامة للمجتمع وأفراده، حيث قطعت شوطاً كبيراً في مكافحة الجريمة على اختلاف أنواعها، وذلك بتضافر الجهود بين وزارة الداخلية وشركائها الرئيسيين والتشغيليين. وأوضح أن خدمة توصيل الطلبات للمنازل تعتبر راحة لربة المنزل وحلاً سريعاً للحصول على المشتريات في زمن قياسي، من جانب آخر قد تتكون السلبية لهذه الخدمة إذا ما صار تواصلاً مباشراً ما بين الموصل والخادمة، أو تم التعرف إلى أسرار المنزل، وهي ثغرات تتسبب في مشاكل لا تحمد عقباها، حيث إن الإهمال من الأسر والثقة الزائدة، وغياب الرقابة والمتابعة قد تؤدي إلى مخاطر أمنية من قِبل بعض العاملين في البقالات أو المطاعم، وهي تصرفات فردية من بعض ضعاف النفوس وعدد الحالات لدينا بسيط، ولكن ذلك لا يمنع من توخي الحذر من أصحاب المنازل وربات البيوت، أثناء طلب توصيل بعض الحاجيات للمنزل، التي يفضل أن تكون عن طريق رقابة من قبل أصحاب المنزل، وتحت نظرهم لكي لا يقوم العامل المختص بالتوصيل باستغلال انفراده بالخادمة ومحاولة التأثير عليها.وأضاف: قد تستغل بعض العمالة الثقة الممنوحة لها بالتعرف إلى الحالة المادية للساكنين واحتياجاتهم وأوقات ووجودهم في المنزل، وأوقات السفر أثناء الإجازات، كما أن البعض قد يستغل ذلك في الاطلاع على مداخل المنزل ومخارجه، ويتطور الأمر للتعرف إلى الخدم للاستعانة بهم لاحقاً لتنفيذ جرائم السرقة وغيرها، كما تهدد هذه الخدمة الآداب والأخلاق العامة، واستدراج العمالة المنزلية لتسهيل هروبهم.
تهريب الخادمات!!
تحدث الخبير التربوي أحمد سليمان الحمادي، عن وقائع تم ضبطها وعرضها على وسائل الإعلام المختلفة من خلال تقارير مصورة تبين أساليب تهريب الخادمات من جانب فئة من العاملين في البقالات ومن يقومون بخدمة التوصيل السريع.
وأضاف: «أشاهد وبشكل يومي من خلال واجهة منزلي المطلة على إحدى البقالات عدداً كبيراً من الخادمات يتوافدن على هذه البقالة في الفترة الصباحية أثناء ذهاب مخدومهن للعمل، وقد تبقى الخادمة في البقالة لفترة تتجاوز النصف ساعة ويزيد، وهو ما يعني وجود تواصل وعلاقات مشبوهة».
وقال: يهمنا في هذا الجانب طرح حلول تساعد على تلافي هذه المخاطر، ولذلك نصر على مبدأ الوقاية ودور الأسرة في حماية أطفالها من شر متوقع وملموس، ويمكن تحقيق هذه الوقاية من خلال تكليف الأبناء الذكور بالتعامل المباشر مع هذه الفئة، وتجنب التواصل المباشر بين الخادمات والفتيات وعامل التوصيل، إضافة إلى إيجاد وسائل مراقبة فاعلة من خلال الكاميرات وغيرها ومواجهة الخادمات مباشرة وعدم الاكتفاء بالتحذير، والبحث عن مزود موثوق بخدماته المادية والبشرية.
سلبيات مرتبطة بالسلوك الإنساني
أشار الخبير التربوي أحمد سليمان الحمادي إلى «أننا جميعاً نتفق على أن خدمات التوصيل وسيلة متميزة من وسائل تقديم الخدمة التي تنتهجها الكثير من الشركات والمطاعم لما لها من أثر في رضا عملائها، وبذلك نستطيع القول إن الخدمة مطلوبة، ولا تمثل خطراً في حد ذاتها، والحذر واجب، ولكن من يعمل على تلك الخدمة هم من يحولون إيجابيات هذه الخدمة إلى سلبيات» . واضاف أنها مرتبطة بالسلوك الإنساني السوي وغير السوي في مقابل استعداد متلقي الخدمة المباشر لذلك السلوك.