- القاهرة ــ رويترز
التاريخ: 08 يوليو 2024
بعض المناطق والقرى تتساهل مع الظاهرة. رويترز
في ساحة صغيرة أمام أحد المنازل الريفية المتواضعة، في قرية تابعة لمحافظة السادس من اكتوبر غربي القاهرة، انشغل شاب منذ الظهيرة في تعليق مصابيح بألوان زاهية وتثبيت عدد من مكبرات الصوت فوق بعضها بعضاً. ثم أدار جهاز «دي.جي» فارتجت بيوت القرية على أنغام أغانٍ ذات ايقاع راقص ومبهج لتنطلق بعدها الزغاريد من ذلك المنزل ومن منازل مجاورة.
في تلك الأثناء قامت طفلة ترتدي ثياباً قديمة بكنس تلك المساحة من الشارع الذي انتشرت فيه الحفر وسكنت على جوانبه بقع من روث قديم وحديث، قبل أن تفرشه في المساء بحصير لتجلس عليه مدعوات قدمن لمجاملة (أم شيماء) صاحبة «الفرح». كان كل شيء على ما يرام في «الفرح» باستثناء عدم وجود عريس أو عروس.
فالفرح لم يكن ككل الأفراح وانما وسيلة فريدة لتدبير سيولة مالية من دون اللجوء للبنوك أو الاقتراض من الأقارب والمعارف وبطريقة سريعة وآمنة وكريمة.
لجأت (أم شيماء) التي تقيم مع زوجها وبناتها الثلاث الصغيرات في غرفة وردهة بتلك القرية التي تعتمد على الزراعة مصدراً أساسياً للدخل؛ الى اقامة ذلك العرس أو «الفرح» لتمويل حلمها بتغيير غرفة نومها المتهالكة وتسديد بعض الديون. فقط بطاقات دعوة وأكواب من الشاي هي كل ما تطلّبه الأمر، لكنها جمعت في تلك الليلة نحو 6000 جنيه «نحو 1060 دولاراً» أسهمت بها نساء من قريتها وعدد من القرى المجاورة.
بعض هذا المبلغ دَيْن جديد، على (أم شيماء) أن ترده في مناسبات مشابهة للغير، عاجلاً أو اجلاً، وبعضه رد على مساهمات قدمتها (أم شيماء) في أعراس سابقة.
وعبرت (أم شيماء) التي يعمل زوجها عامل نظافة بالعاصمة براتب لا يتجاوز 300 جنيه شهرياً «أقل من 50 دولاراً» عن سعادتها بما فعلت قائلة «الفرح ساعدني كثيرا وأتمنى أن أتمكن من تسديد الدين الذي علي للمدعوات الجديدات، ليس أمامي وسيلة أخرى غير الفرح». واعتاد المصريون، لاسيما أبناء الطبقات الشعبية، اهداء العروسين عند الزواج مبلغاً من المال على سبيل المجاملة يسمونه «نقوطاً»، وهو نوع من المساعدة غير المباشرة يمثل شكلاً للتكافل الاجتماعي. لكن الجديد هو إقامة تلك الأفراح دورياً من دون مناسبة حقيقية لجمع النقوط من قبل قرويات يعتمدن عادة على عائل الأسرة في توفير المال.
يقول أحمد سعيد (45 سنة) الذي يعمل مقاول بناء في قرية مجاورة، ان نسوة كثيرات يلجأن لتلك الوسيلة لمساعدة أزواجهن في بناء بيت أو شراء أثاث ومنهن زوجته، ويضيف «الناس تعبانة، اجهدها الفقر».
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر |
في القرية التي تنتمي لها (أم شيماء) يتسامح الرجال مع هذا السلوكمن جانب نسوة القرية، لكن في قرية مجاورة يتحفظ البعض. يقول محمد (30 سنة) ويعمل واعظاً ان هذه العادة «علمت النساء الجرأة، إلى جانب أنها تسبب ضوضاء، وهناك أغانٍ وأحياناٍ رقص غير لائق من بعض الفتيات والنساء، كما أنها صارت تجارة بدلاً من وسيلة للتكافل والتعاون، ودخلها التباهي والرياء».
وتقول أستاذة علم الاجتماع في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، الدكتورة عزة كريم، ان الفقراء يبتكرون وسائلهم الخاصة لمحاربة الفقر.
وتضيف «هي وسيلة مضمونة للحصول على المال بشكل كريم، لا تحتاج الى ضمانات سوى حسن السمعة، لاسيما أن مثل هذه الفئات لا يمكنها الحصول على قروض أو مساعدات بنكية تحتاج لضمانات ليست متوافرة لديهم».
وطبقاً لتقديرات الأمم المتحدة فإن معدل الفقر المدقع في مصر يبلغ نحو 20٪ لاسيما في المناطق الريفية والنائية. وتهدف مصر إلى خفض نسبة من يعيشون بأقل من دولار في اليوم الى 12.1٪ بحلول عام2020 من 20.2٪ حالياً. ولدى أم شيماء خطط طويلة الأجل لتمويل مشروعاتها بالأفراح وخصوصاً «الأفراح الحقيقية» التي يحتفل فيها الناس بزواج عريس وعروس، إذ تقول «سأجهز لبناتي بالطريقة نفسها إن شاء الله».