الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف المرسلين
أما بعد
فقد روى البخاريُّ في صحيحهِ أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال عن ءاية الكرسيّ : (( إنها سيدة ءاي القرءان)) أي أفضل ءاية ٍ في القرءَان . وورد عنهُ صلى الله عليه وسلم : (( أن من قرأ ءاية الكرسيّ فكأنما قرأ ربع القرءان ِ)) أي لهُ ثوابٌ يُشبهُ ثوابَ من قرأ رُبعَ القرءان ِ. هو كَلامُ الله الذي هو صفة ُ ذاته ِليَس حُروفاً ولا أصواتاً , وليسَ فيهِ سابقٌ ولا مسبوق بل هو كلامٌ واحدٌ أزليّ أبديّ هو به ءامرٌ ناهٍ واعدٌ متوعدٌ , أما العبارات كالقرءان الكريم فبعض ءاياتِ القرءان أفضل من بعض . السببُ في تفضِيل ءاية ِالكرسيّ أن فيها توحيدَ اللهِ وتنزيههُ عن صِفَاتِ النقص ووصفهُ بأنهُ أعلى من كلّ ِ شىءٍ قدرًا , فمعنى قولِه تَعالى : *(الله)* هو علمٌ للذات الواجب الوجود المستحقّ لنهايةِ التعظيم ِ وغاية ِالخضوع , ومعنى ذات الله أي حقيقة ُ الله الذي لا يشبه ُ الحقائق , أما ذاتُ المخلوق ِ فمعناهُ جسمهُ .
وقوله تعالى : *( لآ إلهَ إلا هُوَ)* الإلــــه هو المعبودُ بحق ٍ ثمَّ صار الكفار يُطلقون هذا اللفظ على ما عبدوه من دون الله , فلا يقال إلـــــه بالإطلاق ِ إلا على الله . أما مع الإضافة فيستعمل لغير الله كما قال تعالى حكاية ً عن موسى أنه قال للسامريّ : (( وانظر إلى الـــهك الذي ظَلتََ عَليهِ عَاكِفًا )) فمعنى قولهِ إلـــهك أي ما زعمت أنه إلـــــه وهو العجلُ المصور من ذهب ٍ الذي كان موسى السامري أخذ من التراب الذي هو أثر حافر الفرس الذي عليه جبريل ووضعهُ في المصور فصار له خُوار (( صوت الثور )) , فقال للناس : هذا إلـــهكم وإلـــــه موسى . فعَبَدَهُ بَعضُ الناس .
كذلك قولُهُ تعالى *( مَن ِ اتَّخَذ َ إِلهَهُ هَوَاهُ )* هو توبيخ ٌ لمن هوى شيئاً فعبدَهًُ كما كان يفعلون في الجاهليةِ يصنعُ أحدُهم ِ تمثالاً فتعجبُهُ هيئتهُ فيتخذهُ صنما ً يعبدُهُ .
وكلمة ُ (( لا إلـــــه إلا الله )) فيها نفي الألوهيةِ عما سِوى الله وإثباتها لله .
وقولُه تَعالى : *(الحَىُّ القَيُّومُ )* معنى الحيّ الموصوف بصفِة الحياة التي هي صفة ٌ قائمة ٌ بذات ِ الله , أي ثابتة ٌ لهُ ليست بروح ِ ودم وعصب وجسد . ولا يجوز عند الوقف النطق باسم الله الحيّ بدون إظهار ِ الشَدة ِ, لأن الحي بتخفيف الياء في لغة الحبشة هو الحليب وفي اللغة العربية لفظٌ مهمل.
ومعنى القيّوم : المدبِرُ لجميع ِ المخلوقين , ويُقال القيوم : القائمُ بذاتِه أي المستغني عن كل ما سِواه . وقال بعضُ جَهلة ِ المتصوفة : معنى القيوم القائم فينا , وهذا إلحــــادٌ وكفرٌ .
ومعنى : *( لا تَأخُذُهُ سِنَة ٌ وَلا نَومٌ )* لا يجوزُ على الله النعاسُ , وفي ذلك إشارة ٌ إلى تنزيه الله عن طروء الصفات , وإلى تنزيه الله عن الاتصاف بصفاتِ الخلق . والنُعَاسُ حَالة ٌ تعتري الإنسان َ من غير أن يزول عقلُهُ لأن زوالَ العقِـــل يكـون بالجنون ِ, ولا يسمع ُ النائمُ كلام من حوله . ومن علامات النوم أن يرى الشخصُ رؤيا.أما النوم فهو حالة يستتر فيها العقل.
وأما قوله :*(لَّهُ مَا فِي السَّموَاتِ وَمَا فِي الأرض ِ)* فمعناهُ أن الله يملكُ ما في السماوات وما في الأرض . فهو تَعالى خالقُ كلِّ شىءٍ وكل شىء مِلكُه ُ حقيقة ً, أما مِلكُ العباد فيسمى مِلكا ًمجازيًّا .
وقوله تعالى : *( مَن ذَا الّذِي يَشفَعُ عِنَدَهُ إِلا بِإِذنِهِ )* معنى الشفاعة : طلب الخير من الغير للغير. فالأنبياءُ والملائكة ُ وشُهداءُ المعركة ِ والعُلماءُ العَامِلونَ ومن مات طفلا ً من أبوين مسلمين كل ّ هؤلاء يشفعون . والشفاعة قِسمان : شَفاعة ُ إنِقاذ من العذاب , وشفاعة بعد حصول ِ شىءٍ من العذاب ليُعفى من بقيّتِهِ . ولا شفاعة إلا للمُســلمين
قال تعالى : *(وَلا يَشفَعُونَ إلا لِمَن ِ ارتَضَى وَهُم مِّنْ خَشيَتِهِ مُشفِقُونَ )*.
وقولهُ تعالى :*( يَعلمُ مَا بَينَ أيدِيهِم وَمَا خَلفَهُم )* معناهُ أن الله أحاط بكلّ ِ شىءٍ علما ً بعلم ٍ واحد ٍ أزليّ ٍٍ أبديّ ٍ لا يطرأُ عَليهِ
زيادة ٌ ولا نقصان .
وأما قوله : *( وَلا يُحِيطُونَ بِشَىء ٍ مِّن عِلمِهِ إِلا بِمَا شَآءَ)* فمعناهُ أنهم لا يحيطون بشىء ٍ من معلومات الله إلا بما شــاء الله لهم أن يعلموا.
وقولهُ : *( وَسِعَ كُرسِيُِّهُ السَّمَوَات ِ وآلأرضَ )* معناه ُ لو وضعت الـــسماوات الـسبع والأرضون الـسبع كلّ واحدة ٍ بإزاءِ الأخرى لكان الكرسيُّ أوسع منها . روى ابنُ حبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : << ما السماوات السبع في جنب الكرسيّ إلا كَحلقة ٍ مُلقاة ٍ في فلاة من الأرض , وفضلُ العرش ِعلى الكرسيّ كفضل الفلاة على الحلقة )). وسُمّي الكرسيُّ كرسيًّا لأنهُ بالنسبة ِ للعرش كالكرسيّ الذي يرتقيه الشخص للصعود إلى السرير , ولا يصح تفسير الكرسيّ بالعلم لأن ذلك خطأ في اللغة . و أما العرش ُ فهو سريرٌ له أربع ُ قوائم , وهو أكبر جسم ٍ خلقه ُ الله تعالى وهو سقف ُ الجنة . والحكمة ُ من خَلق ِ العرش والكرسي ّ إظهار قدرة الله تعالى , فقد ذكرَ الإمام عبدُ القاهِر بنُ طاهر البغداديُّ في كتاب أصول الدين عن عليّ ابن أبي طالب أنه قال : (( إن الله خلق العرشَ إظهارًا لقدرتهِ ولم يتَخِذهُ مكانا ً لذاتِهِ )) .
وقولُهُ تعالى : *( وَ لا يَؤُدُهُ حِفظًهُمَا)* معناهُ لا يُتعِبُ الله حِفظ ُ السماوات والأرض والكرسيّ , لأن التعبَ من صفات ِ الخلق وهو صفة من يعمل بالجارحة . قال تعالى : *( ولقد خلقنا السماوات والأرضَ وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب )* واللُّغوب هو التعبُ .
وقوله تعالى : *( وَهُوَ آلعَلِىُّ آلعَظِيمُ )* معناه أن الله أعلى من كلّ ِ شىء ٍ قدرًا وليس معناه علوّ الجهة والمكان , لأن الشآن ليس في علوّ ِ المكان والجهةفإن الملائكة الحافين حول العرش مكانهم في أعلى مكان والأنبياء والرسل مكانهم في الأرض وهم أفضل عند الله من الملائكة وسائر الخلق . ثم الموصوف بالمكان والجهة لا يكون إلا مخلوقا ً والله تعالى كمالُه ُ أزليّ أبديّ لا يزدادُ ولا ينقص , وهو سبحانه لا يتشرف بشىءٍ من خلقِهِ .
و*( العظيم )* معناه أن الله أعظم من كل عظيم ٍ قدرًا لا حجما ً , فـإن الحجم من معاني الخلق . قال الإمام أبو جعفر ٍ الطحاوي :
(( ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر ))
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر |