سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر |
يسألوا عن الحكمة، روى البخاري ومسلم وغيرهما عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه
جاء إلى الحجر الأسود، ولا يعرف الحكمة من ذلك يقول:
إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك.
هذه الجملة أسلوب حياة، فالرسول إن قال شيئا، أو فعله، أعمله حتى لو لم أكن أفهم الحكمة.
فالسنة كانت منهج حياة؛ لذا كانت الحياة سهلة عند الصحابة، ومواطن الحيرة كانت قليلة جدا،
يصبح كل الهم هو البحث عن فعل الرسول، أو قول الرسول صلى الله عليه وسلم فإذا عرفنا
رأيه تتبعناه . روى البخاري عن عمر رضي الله عنه قال:
فما لنا وللرَّمَل إنما كنا راءينا به المشركين وقد أهلكهم الله.
والرَّمَل هو المشي السريع مع تقارب الخطى، يعنى من ضمن مناسك الحج هذا الكلام أول
ما فُعِل كان في عمرة القضاء سنة سبعة هجرية، الرسول صلى الله عليه وسلم كان يريد أن
يري الكفار قوة المسلمين، فأمر الصحابة بالكشف عن الأكتاف، وبالرَّمَل السريع؛ ليُخَوّف
المشركين من قوة المسلمين، فظن عمر انتهاء الأمر الآن؛ لأنه لا يوجد مشركون، كل
الجزيرة أسلمت وكل الحجاج مسلمون، فليس له شأن، ثم رجع لنفسه بسرعة، وقال:
شيء صنعه النبي صلى الله عليه وسلم، فلا نحب أن نتركه.
حتى لو قال العقل غير ذلك، لا بد من اتباع عمل الرسول صلى الله عليه وسلم.
روى البخاري، ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:
اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم خاتما من ذهب- قبل تحريم الذهب على الرجال- فاتخذ الناس
خواتيم من الذهب.
لم يقل لهم البسوا، لكن الصحابة حريصة على أن تقلد الرسول في كل شيء، ثم بعد ذلك قال:
إِنِّي اتَّخَذْتُ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ، فَنَبَذْتُهُ.
ثم قال: إِنِّي لَنْ أَلْبَسَهُ أَبَدًا.
حُرّم على الرجال، فنبذ الناس خواتيمهم، فالموضوع في غاية البساطة عند الصحابة، فهم لم
يسألوا النبي صلى الله عليه وسلم الحكمة من لبس الخاتم حينما لبسه، ولم يسألوه
عن الحكمة لما نبذه.
روى أبو داود، وأحمد، والدارمي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وأرضاه قال:
بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه، فوضعهما عن يساره،
فلما رأى ذلك القوم، ألقوا نعالهم، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته، قال:
مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إِلْقَاءِ نِعَالِكُمْ؟
قالوا: رأيناك ألقيت نعليك، فألقينا نعالنا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ آتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرٌ. أو قال: أَذًى.
خلعهم صلى الله عليه وسلم لسبب مؤقت، وهذا السبب ليس عند الصحابة. لكن الشاهد هو
حرص الصحابة على الاتباع، لم ينتظروا إلى انتهاء الصلاة، ثم يسألوا، فبمجرد رؤية
الرسول يفعل شيئا، يعملونه.
هناك كثير يظنون أن هذا الكلام مبالغة من الصحابة، أبدا الرسول صلى الله عليه وسلم ليس
مجرد شخص معجبين به، أو انبهر الصحابة بأفعاله, فالرسول صلى الله عليه وسلم رسول من
الله رب العالمين، كل خطوة من خطواته بأمر من الوحي، أو مراجعة بالوحي، ففي تقليده
نحن نعمل ما أراده ربنا سبحانه وتعالى منا، وحينما نعمل ما أراده ربنا سبحانه وتعالى نسعد
في الدنيا، ونسعد في الآخرة إن شاء الله، وندخل الجنة التي هي منتهى أحلام المؤمنين، لهذا
كان الصحابة يحرصون جدا على تقليد الرسول في كل حركة من حركاته صلى الله عليه
وسلم الرسول، وكان صلى الله عليه وسلم حريص جدا على ترسيخ هذا المعنى في قلوب،
وعقول الصحابة، فتربى الصحابة على هذه الصورة.
موقف من المواقف المهمة في حياة الصحابة يرويه الإمام مالك في موطأه عن عطاء بن
يسار رحمه الله، وعطاء من كبار التابعين بالمدينة، روى أن رجل قَبّل امرأته، وهو صائم
في رمضان، فوجد من ذلك وجدا شديدا- يعنى حزن حزنا كبيرا يخاف أن يكون قد ارتكب
محظورا- فأرسل امرأته تسأل له عن ذلك.
عنده مراقبة داخلية لله عز وجل، حريص أنه يعرف رأي الرسول صلى الله عليه وسلم.
بعث امرأته تسأل إحدى زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم، فدخلت الزوجة على أم سلمة
زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك لها، فأخبرتها أم سلمة أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم يُقَبّل، وهو صائم فرجعت، فأخبرت زوجها، بذلك فزاده شرًا، وقال:
لسنا مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم، الله يحل لرسوله صلى الله عليه وسلم ما شاء.
وهذا اجتهاد من الرجل، فرجع امرأته إلى أم سلمة، فوجدت عندها رسول الله صلى الله
عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
مَا لِهَذِهِ الْمَرْأَةِ؟
فأخبرته أم سلمة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أَلَا أَخْبَرْتِيهَا أَنِّي أَفْعَلُ ذَلِكَ.
فقالت السيدة أم سلمة له:
قد أخبرتها، فذهبت إلى زوجها، فأخبرته، فزاده ذلك شرا، وقال: لسنا مثل رسول الله صلى
الله عليه وسلم، الله يحل لرسوله ما شاء.
فغضب الرسول غضبا شديدا صلى الله عليه وسلم، ومواطن الغضب في حياة الرسول صلى
الله عليه وسلم قليلة جدا، لا يغضب إلا إذا انتهكت حرمة من حرمات الله عز وجل، وهذا
الرجل يشدد على نفسه، ولكن لا بد من تقليد الرسول في كل نقطة من نقاط حياته،
قال صلى الله عليه وسلم:
وَاللَّهِ إِنِّي لَأَتْقَاكُمْ لِلَّهِ وَأَعْلَمُكُمْ بِحُدُودِهِ.
فما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الحلال، والذي منعه هو الحرام، من غير
تكلف في شيء، فعمله صلى الله عليه وسلم في العبادة، في الطاعة، في التقرب إلى الله،
وما دام أمر المسلمين به، أو لم يخص به رسول صلى الله عليه وسلم، فعلى المسلمين
أن يعملوه من غير زيادة، ولا نقصان.
وهذا الموقف خير دليل على اتباع أوامر النبي صلى الله عليه وسلم، الرسول صلى الله عليه
وسلم أخرج جيشًا لحرب الروم قبل موته بأيام قليلة، ثم مات صلى الله عليه وسلم، وارتدت
جزيرة العرب بكاملها إلا ثلاث مدن وقرية. وتخوف الناس على المدينة، بل تخوفوا على
الإسلام، ولكن في هذا الجو المشحون، والمدينة وضعها في منتهى الخطورة، والجزيرة
كلها مرتدة، وقد تهجم على المدينة في أي لحظة، في هذا الجو المشحون أصر أبو بكر
الصديق رضي الله عنه وأرضاه على إنفاذ جيش أسامة بن زيد لمحاربة الروم، ولم يوجهه
لمحاربة المرتدين، أو لحماية المدينة، بل عمل على إنفاذه لمحاربة الروم، وإن كان خطر
المرتدين على المدينة أوقع، ولكن لا بد من إنفاذه؛ لأن مُخْرِجه هو الرسول صلى الله عليه
وسلم، فجاءت الناس تخاطب الصديق رضي الله عنه وأرضاه ليترك الجيش في المدينة
لحمايتها، ولكنه أَبَى، وقال:
لو أن الطير تخطفنا، ولو أن السباع حول المدينة، ولو جرت الكلاب بأرجل أمهات المؤمنين
ما رددت جيشًا وجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا حللت لواء عقده.
كيف يأمر الرسول بأمر، أو يعمل شيئًا، وأخالفه، وهذا من فهمه رضي الله عنه وأرضاه،
ومن أعظم صفات الصديق رضي الله عنه وأرضاه, دقة الاتباع لرسول الله صلى الله عليه
وسلم. ولما كلمه الناس، وقالت له:
لو عزلت أسامة بن زيد من على رأس الجيش، ووضعت رجلًا آخر كبيرًا في السن مكانه.
وكان يكلمه عمر بن الخطاب، فقال له كلمة شديدة جدا، قال له:
ثكلتك أمك يا ابن الخطاب، يؤمره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنزعه أنا.
فكل خطوات الصديق كانت موفقة، لأنه كان يرى بعين الرسول صلى الله عليه وسلم.
إن الصحابة كانت تقلد الرسول صلى الله عليه وسلم في أمور لا يجب فيها التقليد، كانت هناك
أمور عفوية تلقائية، فعلها الرسول صلى الله عليه وسلم مرة أو اثنتين، وقد يفعله الإنسان
من غير قصد ولا تعمد، مثل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عبد الله بن عمر كان يوقف
القافلة، وينزل من على ناقته يصلى في بقعة ما أثناء سفرة ركعتين، فاستعجب الناس
من هذا الموقف، ولما سئل في ذلك، قال:
في هذا المكان صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذا المكان ليس فيه فضل معين، الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلى ركعتين، ركعتين
حاجة، أو ركعتين استخارة، لكن سيدنا عبد الله بن عمر رأى الرسول يفعل أمرًا، فهو يقلده
في كل نقطة، بل أكثر من ذلك، فذات مرة أوقف القافلة، وكانت القافلة قائمة من راحتها،
ولكنه نزل ليتبول في هذا المكان؛ لأنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يتبول في هذا المكان.
ولا نقلل من هذا الأمر، ولكن ندرك حرصه رضي الله عنه في تتبع كل نقطة في حياة النبي
صلى الله عليه وسلم، دارت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم دورتين في مكان قبل أن
ينيخها، فكان عبد الله بن عمر رضي الله عنه إذا وصل إلى ذلك المكان أدار ناقته دورتين
قبل أن ينيخها، فهو مادام قد رأى الرسول صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك، يفعل مثله.
وهذه مبالغة، لكنه مأجور عليها إن شاء الله؛ لأنه حريص على الاتباع، ولا يترك أي أمر،
من المفروض أنه إذا كان يتبع في هذه الأمور، فهو من المؤكد يتبع في كل أمر، وهذا هو
المهم، وهذا هو السلوك الذي من الممكن أن ينجي صاحبه، وهو ما نريد تعلمه.
الرسول صلى الله عليه وسلم كان يخطب فقال للناس بعد ما صعد على المنبر، قال لهم:
اجْلِسُوا. بعض الصحابة كانوا واقفين، فقال لهم: اجلسوا.
فسمع ذلك ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه، وكان على باب المسجد، فجلس على باب
المسجد، يوجد مكان بداخل المسجد، لكنه سمع كلمة اجلسوا، فنفذ أمر الرسول صلى
الله عليه وسلم، وجلس على باب المسجد، فرآه الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال له:
تَعَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ.
قد أصبح في تكوين عبد الله بن مسعود، أنه لا يخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وإذا استعجبتم من كل هذه الأمثلة، أختم به وهو أعجب من كل ما مضى روى مسلم، وغيره
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه وأرضاه أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ذات
يوم إلى منزله، فأخرج إليه فلقا من خبز- يعني كسرات من خبر- فقال صلى الله عليه
وسلم ينادي على زوجاته، فقال: مَا مِنْ أُدْمٍ.
والأُدم هو غموس، وفي رواية إدام.
فقالوا: لا إلا شيئا من خل.
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: فَإِنَّ الْخَلَّ نِعْمَ الْأُدْمِ.
وفي رواية:
نِعْمَ الْأُدْمِ الْخَلُّ، نِعْمَ الْأًُدْمِ الْخَلُّ.
وانتتهت القصة، وجلس سيدنا جابر يأكل خلًا مع سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم.
وسمع سيدنا جابر هذه الكلمة، قال:
فما زلت أحب الخل منذ سمعتها من نبي الله صلى الله عليه وسلم.
مع أنه شيء فطري يختلف من إنسان لإنسان، لكنه سمع الرسول يمدح في الخل، ويقول:
نعم الأدم الخل.
بعدما سمع هذه الكلمة أصبح يحب الخل، ويقول طلحة بن نافع أحد رواة الحديث: ما زلت
أحب الخل منذ سمعتها من جابر.
فطلحة بن نافع رحمه الله أراد أن يقلد الرسول، حتى في حب الخل، فظل يحب الخل منذ
سمع هذا الكلام من جابر، هذا اتباع دقيق لرسول صلى الله عليه وسلم وصل أحيانا
إلى حد المبالغة، لكنهم حريصون جميعا على تقليد الحبيب صلى الله عليه وسلم.
الصحابة كانوا يتبعون رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم كانوا يعلمون أن اتباعه هو
خير الدنيا، والآخرة، وأنه لا مناص من اتباعه حتى يدخلوا الجنة، وأنهم لو اتبعوا أي
مخلوق غيره، فلا سبيل إلى دخول الجنة، إلا خلفه صلى الله عليه وسلم، وفوق ذلك الصحابة
كانوا يتبعون الرسول؛ لأنهم كانوا يحبونه حبا لا نستطيع أن نصفه، حتى لا يتخيل أحدنا أنه
يخالف سنته، امتنزج حبه بدمائهم، ولحومهم، وعظامهم صلى الله عليه وسلم، فأصبح وكأنه
فطري مزروع فيهم، فهم يحبونه، ولا بد من أن يتبعوه، وفوق ذلك، وأعظم منه، أنهم كانوا
يتبعون الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم يحبون الله عز وجل الذي خلقهم، ورزقهم،
وأحياهم، ثم يميتهم، وبعد الموت بعث، وبعد البعث حساب، والذي يحاسب هو الله عز وجل،
والذي بيده الجنة والنار هو الله عز وجل، والذي عرفنا سبيل حب الله عز وجل، هو الله عز
وجل قال في كتابه:
[قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ]
فسبيل حب الله عز وجل هو اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، لا نجاة والله بغير اتباع
الرسول صلى الله عليه وسلم، نسأل الله عز وجل أن يبصرنا بسنة نبينا، وحبينا محمد
صلى الله عليه وسلم، وأن يضع أقدامنا على الطريق القويم، وأن يجمعنا معه،
ومع صحابته في أعلى عليين.
هذا زعيم الشهامه والكرم والمجد .. سيدي وسناد دولتنا …
رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا ومطمئنًا وسائر بلاد المسلمين