سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر |
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
الخطبة [ ] الأولى:
الحمد لله عزّ وجلّ،يراقب ويحاسب،ويثيب ويعاقب.يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ﴿ليجزي الله كلّ نفس ما كسبت إنّ الله سريع الحساب﴾إبراهيم51 أحمده حمدا لائقا بجلاله،وأشكره شكرا يستدرّ غزير أفضاله. وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، عزّت النفوس بطاعته، وخضعت الرّقاب لعظمته ﴿وعَنَتِ الوُجُهُ للحَيِّ الَقَيوُّمِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا﴾طه111 ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله،وصفيه من خلقه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله نجوم المهتدين، ورجوم المعتدين، ورضي الله عن صحابته الأبرار الذي قاموا بحقِّ صحبته،وحفظِ شريعته، وتبليغِ دينه إلى سائر أمَّتِه..
أمّا بعد فيا أيّها المؤمنون الكرام، يقول الحقّ تبارك وتعالى في محكم تنزيله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾[الأحزاب 70:71] ويقول أيضا ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُواْ أَن يَقُولُواْ آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلهِمْ فَليَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ الكَاذِبِينَ﴾العنكبوت:2-3 ﴿وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً﴾[المائدة 41] فما الذي يدعونا إلى التذكير بمخاطر الفتن [ ] اليوم؟ وما المغزى الذي يمكننا أن ندركه من الوقوف عند هذه المخاطر في ظروفنا الاجتماعية والسياسية والأخلاقية والاقتصادية من المنظور الإسلامي؟ الفتن [ ] هي الابتلاء [ ] والامْتِحانُ والاختبار، والفاتِنُ: المُضِلُّ عن الحق. وهذا يعني أنّ الفتن [ ] لها أثر كبير في حياة الأفراد والمجتمعات، ومن هذه الفتن [ ] وأَشدِّها خطراً على الأفراد والمجتمعات دفعُ الناس نحو الصراعات وبثُّ الشكوك في صفوفهم ابتغاء الاضطراب وفساد ذات البين، وذهابُ الأمن وتعطيلُ مصالح الناس على أيّ نحو كان وبأيّ طريقة، أفليست هذه حال البعض من توجّهات الإعلام اليوم المقروء والمسموع وخصوصا المرئي؟ ألا ترون وتسمعون من الأخبار والدعايات والتهويل والبحث عن وسائل الاحتقان ما يجعل وسائل الإعلام مصدر تأجيج الفتن [ ] وشهادة الزور ونشر الأكاذيب؟ ألا تعمل العديد من المنابر الإعلامية على جعل الحقّ باطلا وجعل الباطل حقّا وقلب الخير شرّا وقلب الشرّ خيرا بما يسبّب طمسَ القيم؟ وإلاّ كيف نفسّر رفع الكثير من الأطراف ضربا من التحدّيات الخاوية لأهداف تافهة وعقيمة لا تنهض بالمجتمع بقدر ما تربكه وتنشر الفرقة فيه؟ ولا نريد الوقوف عند من يختفي وراء الأحداث والاضطرابات التي باتت مفضوحة ومتكرّرة إلى حدّ أصبحت فيه سيّئة الإخراج، كما لا نريد التغاضي عن التذكير بأنّ هؤلاء هم أنفسهم من أصرّوا على تضييق الخناق على القيم الإسلامية تحت عنوان العلمانية [ ] وما انفكّوا يدافعون عن قيم الإباحية باسم الحرية والقيم الغربية باسم الحداثة.. هؤلاء هم اليوم من يواصل السير على المنوال نفسه باللجوء إلي الكذب [ ] المفضوح، والحيل الخبيثة الرخيصة المكشوفة من وراء ستار الإعلام الذي صار مفخّخا وفي منتهى الإبهام. وإلاّ كيف يبيح لنفسه معاقبة شعب بأسره بمنع الخبر الحقيقي عنه والتستّرِ على صنّاع الفتن؟ جاء في سنن أبي داوود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَال رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «سَتَكُونُ فِتْنَة صَمَّاء بَكْمَاء عَمْيَاء, مَنْ أَشْرَفَ لَهَا اِسْتَشْرَفَتْ لَهُ وَإِشْرَاف اللِّسَان كَوُقُوعِ السَّيْف»أبو داود وهذا ما يطابق حالنا اليوم بالنظر إلى ما نسمعه ونراه، فلا يتبين فيها وجهُ الحق،بل هي مظلمة من كل وجه؛ يعني: ليس فيها منفذ لهدى واستقامة وتوادد، صماء، بكماء، عمياء، لا يهتدى فيها إلى خير ولا صواب.
أيّها المؤمنون الكرام، الحذر،الحذر. الفطنة، الفطنة،تحسّبوا من الانسياق في درب صانعي الفتن، من الإعانة في هذه الفتن [ ] بالكلام. فأهل الأهواء والفرقة إذا استحكمت فيهم أهواؤهم لم يبالوا بشئ ولا راجعوا عقولهم مراجعة من يتّهم نفسه ويتوقف في موارد الإشكال كشأن المعتبرين من أهل العقول، فهم يتحيّنون الفرص لبث دسائسهم ومكائدهم في صفوف المسلمين. أيّها المؤمنون، كلّنا يخامره السؤال نفسه: هل إنّ من يريد الخير لهذه البلاد ولسائر العباد يرضى بهذا الذي يقع؟ هل يمكن لحدث مصطنع كالذي تسبّبت فيه أطراف الفتنة [ ] أن يجعل من أولويات مجتمعنا اليوم إرضاء أهواء فئة وترضية رغبات قلّة أثبتت التجربة تلاعبها بمصالح الناس؟ لكن أين هم من الله؟ هل غاب عنهم أنّ المؤمن يُبتلى في نفسه وأمنه وماله ودينه فيتقوّى إيمانه وتتعزّز ثقته بالله؟ يقول تعالى: ﴿أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ﴾ الرعد:17. ومثلما أنّ الماء النازل من السماء يحيي به المولى الأرض الميتة ، فإن الله -عز وجل- ينزل على القلوب [ ] الميتة ما يحييها وينبّهها من غفلتها. لذلك لا يمكن أن نعتبر الابتلاءات والمحنَ والفتنَ خالية من النفعٌ، بل نفعها كبير لتقوية الإيمان [ ] وتطهير القلوب [ ] من أدران التواكل واللامبالاة والنسيان. ذكر بعض الدعاة واقعة مرّت به تفسّرلنا المغزى المطلوب، قال: قلت لرجل تعوّد شرب الخمر: ألا تتوب إلى الله؟ فنظر إلىّ بانكسار، ودمعت عيناه، وقال: ادع الله لي،تأملت في حال الرجل، ورقَّ قلبي. إن بكاءه شعور بمدى تفريطه في جنب الله، وحزنه على مخالفته ورغبته في الاصطلاح معه، إنه مؤمن يقينا، ولكنه مبتلى! وهو ينشد العافية ويستعين بيَ على تقريبها. قلت لنفسي: قد تكون حالي مثل حال هذا الرجل أو أسوأ صحيح أنني لم أذق الخمر قط، فإن البيئة التي عشت فيها لا تعرفها لكنّي ربما تعاطيت من خمر الغفلة [ ] ما جعلني أذهل عن ربي كثيراً وأنسى حقوقه، إنه يبكي لتقصيره، وأنا وأمثالي لا نبكي على تقصيرنا، قد نكون بأنفسنا مخدوعين. وأقبلت على الرجل الذي يطلب مني الدعاء [ ] ليترك الخمر،قلت له تعال ندع لأنفسنا معا: ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرٍينَ﴾. باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ فاستغفروهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ العَلِيِّ العَظِيمِ.
متابعة قراءة المقال كاملاُ