تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » مع عبدالعزيز جاسم حول

مع عبدالعزيز جاسم حول 2024.

لا لزوم له فقد فتح تابوته وطار

سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر

مع عبدالعزيز جاسم حول "نار سالم"

بقلم : هاشم المعلم

خليجية

1/2
(1)

لا يختبر العالم، إلا من يمتلك رؤية استثنائية، رؤية استشراقية فلسفية مغايرة، رؤية تتحدث مع ذاتك، تخترقك بلمحة بصر، تختطفك منك وإليك، تشتت فيك ما أقبل وأدبر، ما تلملم وما ينفلت، ما تنكمش فيك الحياة وما تنزلق على عتبات مقدسة، على جبهات مفتوحة وبين الفراديس واللامرئية، بين الكل ولا أحد، بين جمع ومفرد . بين أضداد وما تشرق بينهما، بين نبض ورغبة، بين النص ونقطة فاصلة، بين الصفر وسمو الفلك، بين صلصال كالفخار وبين الجان من مارج من نار، بين نظرة تثقب ما وراء الحصون، ما وراء اللغة وما وراء الأدلجة، وما خلف البحار والمحيطات .

يختبر العالم من يمتلك معملاً كبيراً وهذا المعمل هو ذات الشاعر، هو من يمتلك حدس الكبار، حدس من لهم خط واحد ولا رجعة فيه وبلا ندم، لا دمعة تشفع لا بيارق لا شاهدة قبر، درب الكبار المضيئين في وحدتهم، النساك، صناع العزلة، صناع البهجة الشرسة، رفاق النجمة البعيدة، رفاق الدخان الفاخر، رفاق عمر الخيام وهو يقيس انحراف نجمة بأعواد الثقاب، رفاق حسن الصباح ورجال الخرافة، رفاق من قذفوا بأرواحهم في بئر ومشوا على الماء، وكان بحوزتهم حدس الجبل، وهو يطل على كائنات خرافية تزحف وتختفي بين القيعان وبين مخلوقات لا تكاد تسمع لهم صوتاً ولا تبصرهم الأعين، فيما اجتازوا الكرة الارضية بوثبة واحدة ثم بعد ذلك تحولوا إلى حقل قمح .

يختبر العالم من يرقد بين جنبات روحه نهر من الكتب، ورؤى وأفكار الفلاسفة وآهات المتشردين وتمرد المغبونين وانسانية الصعاليك ويبرق في فضائه وردة السموات وذهب الكلام، من تعلم وعرف دربة الإصغاء من ترك روحه تتشرب بموسيقا الأفلاك، من همس في أذن حصان وأطفأ سيجارته على باب مغارة اربعين لصا، من سقط حاجباه وأخذهما إلى الطبيب، من رأى السنونو ينتحر في كهوف ساحلية بعيدة .

حين تمتلك تلك الأدوات التعبيرية أو لنقل تلك الحيوات الكبيرة والشرسة، فإنها تجرف معها العالم برمته (أليس العالم إنساناً صغيراً، والانسان عالماً كبيراً) ومنذ تلك الصرخة الكونية العظيمة (صرخة رامبو) على الشاعر أن يكون لصا ومجنوناً وساحراً . . أن تكون مخترقاً في قفزاتك الاسطورية بين السطور ان تختلق أساطير ومخلوقات، كما لو أنك تعبر بين جبلين من الأمواس، أو كما لو أنك تسبح في نهر من سكاكين، لأنه لا مجال لإغفاءة، حياتك مرهونة بين طرفة عين .

يختبر العالم من يكون حاضراً بروحه، وحواسه، ونبضه، وأنفاسه، وكيانه، وكبريائه، وتمرده، وفرحه، وشغبه، وآلامه، وانسانيته، وشقاوته، وتعاسته، وان يربط حظه حول خاصرته مثل مجنون الحي، ويدفن أسراره في جذع الاشجار ويقبل الجدران كما فعل من قبل قيس بن الملوح، أن يكون حاضراً كله على بعضه، لذا حين أقول وكما أسلفت لا يختبر العالم إلا من اجتاز هذه الصحراء وخاضها حتى الركب، وإلا ما معنى ان تلطخ وتخدش بياض هذه الورقة، ما معنى ان تحيل رنات إلى المقصلة ولمجرد فكرة مترهلة، أو لمجرد فذلكة عابرة، أو لمجرد الفرح المراهقي .

أعود وأكرر، إصراراً، الذي يختبر العالم هو الانسان الذي لا يبحث عن المجد أو يتسوله من الآخرين، بل هو من يصنعه، عبر تأليفه، عبر دمائه عبر حواسه يصنع مجده العظيم الخرافي، المستمد من طاقته، من أعماقه البعيدة، النقية، لا تشوبه شائبة، ولا تلطخه النظرة .

عبر أصابعه السحرية وهي تعزف على بيانو الطبيعة، وهي تسيل منه أخطر النصوص، نصوص تكاد تلامس الكواكب والمجرات البعيدة، في أعماقنا، أعماقنا التي تشبه حقل قمح ينتظر، بفارغ الصبر، قطرات من الرؤى ومن البصيرة النافذة، والمخترقة كرصاصة لا ترحم ولا تستكين، إلا في جوارير الدماغ، لكن لننظر إلى الصورة المقلوبة، أو بالأحرى الذي يبحث عن المجد أو يتسوله من الآخرين، سيكون حتما مصير مجده (كقشور البطيخ)، طافية على السطح، فيما الكنوز الثمينة والعظيمة تكمن في الأعماق .

ومن هذه الزاوية المضيئة أود أن أدلف إلى سيرة أخطر شاعر عرفته الساحة الثقافية والادبية، من خلال ما يطرحه من آراء فلسفية، ونصوص متميزة، وأبحاث انثروبولوجية، نصوص سبقت عمر كاتبه، وكان الشاعر يريد أن يسبق زمنه وعصره، وهذه ظاهرة نادرة وفريدة على الأقل، كما أنها إيجابية ويجب أن يكرس لدى الآخرين هذا الهم، بين القوسين اذا جاز التعبير، وكما أسلفت وكأن الشاعر عاش ويعيش، حيوات متعددة، وفي أزمنة مختلفة، ومنذ ديوانه (لا لزوم لي) والذي يعتبر اختلافا جذرياً في مفهوم كتابة النثر في الخليج، وأكاد أجزم على مستوى الوطن العربي، والذي ينجزه هذا الشاعر المبدع من نصوص شعرية لا يقل عن آرائه الفلسفية والفكرية والثقافية .

وإن كنت قد ذهبت بكم بعيداً وطويت صفحات ودروباً إلا من شدة إعجابي واحترامي لتلك الروح المثابرة، لتلك الكبرياء التواقة لإنسانية الكبرى .

باختصار شديد إنه (عبدالعزيز جاسم) الذي ولد برأس الخيمة عام ،1962 كتب ونشر منذ مطلع الثمانينات من القرن الماضي .

وأقام فترة من حياته في المغرب، أسس داراً للنشر ومجلة “الأثر” في طنجة . كما أسس مجلة “الثقافة التربوية” في الامارات . من المؤسسين لاتحاد كتاب وأدباء الإمارات، ترجمت مختارات من قصائده إلى الانجليزية والفرنسية والألمانية، من أعماله: لا لزوم لي، شعر (دار الجديد، بيروت 1995)، مجهول البحر ومعلومه (دائرة الثقافة والإعلام الشارقة 2024) وأخرى تحت الطبع .

(2)

في إحدى ليالي الربيع الجميلة، من عام 1993 حيث يبتسم لي الحظ أخيراً، وألتقي هذا الشاعر الشاب، والذي ذاع صيته مؤخراً، هنالك في ساحة الفنون في منطقة المريجة في الشارقة والتي تعرض شتى أنواع الفنون البصرية والإبداعية، وتمنح فرصة التحاور والتجاذب الراقي بين الفنانين والكتاب للنقاش الهادف مساحة شاسعة متفردة، حيث يرتفع بهم الكلام إلى سموات وإلى آفاق شاسعة، بعيداً عن صخب العالم وسخافته .

فرصة رائعة تقودني قدماي برفقة شاعر متوهج آخر، إلى تلك الأمسيات . ونلتقي للمرة الأولى بالشاعر عبدالعزيز جاسم وكنت قبل هذا الموعد قد قرأت له بعضاً من النصوص المتفرقة، وهنا كي أكون أكثر دقة وأمانة، تعرفت إلى الشاعر عبدالعزيز جاسم، من خلال قصيدة منشورة في العدد 13/1990 لمجلة “شؤون أدبية” الصادرة عن اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، تحت عنوان . .”فتاتي . . وهذه شجرة الأمواس” .

في تلك الفترة كنت قد أطلعت على تجارب كبيرة ومتنوعة، وتشربت روحي بقصائد شعراء أمثال: رامبو، بودلير، سان جون بييرس، يوجيف اتيلا، إيف بونفوا، تريستان تزارا لوركا، بسيوا، بابلونيرودا مايكوفسكي . .

لكن هناك شيء ما، ولربما كان دوماً يشدني ويحثني على البحث عن مفردة مغايرة صورة تزلزل كياني، دهشة تلتقطني وفوضى تعيد صياغتي، لغة تحررني، فضاء لا يتعثر في تلك الفترة الرائعة والمدهشة، أقول، إنني عثرت على المدفون تحت رمال الحداثة لطالما أبحرت في بطون الكتب وبين ملاحم الصفحات وبين ثغرات وحواف شرسة، خائباً عدت ومريضاً ومرة مبتهجاً حتى الثمالة، مرة عدت بتابوت بلا جسد، ومرة ركضت بلا قدمي . وأبصرت بلا عيني، ومشيت بين السهوب والقفار بلا رأس وما وصلت، كنت أسبح في الفضاء كأني نسر العصر، وتوجت نفسي ملك العزلة واستندت نبضي جدران غرفتي والتي بلا سقف .

لا أدري وليس بمقدوري الآن أن أقيس حجم الدمار أو الدهشة، أو لذة الاكتشاف، التي أصابتني مباشرة كأنني أصبت بلوثة، بعد أن فرغت من قراءة هذا النص، حيث يقول الشاعر عبدالعزيز جاسم:

“منذ سنوات

وفي حانوت على سفح رائب

التقيت ببائع صور فر من مدينته

له سيقان من القصب

وعينان من زجاج

أخذ يحدثني طويلاً عن نبوءة ألن غيسنبيرغ المتهور

وكيف أن الأرواح البوذية قد

قفزت في عينيه

فأنعشت خرائب الجسد

إلا أن أمراً مرعباً قد حدث!

فبعدما انصرف البائع، خرجت فوجدت رأس صاحبي مرمياً عند قارب مهشم

فيما سمعت ضباعاً تناديني من مدينة مجاورة

نعم . .

مراراً جربت أن أعود إلى مسكني

وفي صدري ابتهاج الأشبال

ولكن في كل مرة

كنت أكتشف سبباً جديداً للموت”

وكثيراً ما التقيت عبدالعزيز جاسم في مقاهي الشارقة أو رأس الخيمة أو في بطن الصحراء وحول “نار سالم” حيث اكتشف فيه الإنسان المتواضع والمحاور الرائع، لكن الأجمل في هذه الصداقة هو ظهور أصوات واعدة ومؤمنة بقصيدة النثر ومستقبله، وتحت هذا المعطف الحميمي وبعيداً عن الأستاذية تبرز أسماء شعرية مثال: أحمد عبيد المطروشي، جمال علي، يوسف أحمد، سالم المطروشي، يوسف محمد، وإسماعيل يوسف، أحمد بوعزوز، محمد المظلوم، وكاتب هذه الكلمات .

وربما يسبقنا الصف الأول من الشعراء الذين لم يسلموا من تأثير النص الذي ينجزه عبدالعزيز جاسم، أمثال: أحمد منصور، سعد جمعة، أحمد خميس، عبدالله السبب، أحمد العسم .

عبدالعزيز جاسم، ظاهرة فردية وحالة استثنائية لا تتكرر، هكذا هي الدروب والطرق والجبال والأشياء الثمينة والجميلة، تكمن قيمتها في أنها لا تتكرر .

تجربة عبدالعزيز جاسم كبيرة وعالية، وهي في حاجة إلى روح وبصيرة تصمد وتتشرب شراسة الصورة وفداحة الخسارة، إنها البهجة ولكن بضراوة .

خليجية

لعلاج مرضى
ارسال 10 إلى الرقم 4142
مؤسسة رأس الخيمة للاعمال الخيرية
خليجية

خليجية
تسلم ع الموضوع

خليجية
تســـــــــــلم اخـــــــوي ع الخبــــــــر

ربــــــي يعطيـــــــك الصحــه و العافيـه

=^_^=

خليجية
شكرا ع الخبر

خليجية خليجية

خليجية
تسلم ع الموضوع

خليجية

كبرتني يا هم ***
دخيلك قول للدنيا ***
أنا عمري الحقيقي ***
كم؟؟؟؟؟؟؟

خليجية
تسلم علي الموضوع

خليجية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.